وأما زرارة بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه فكان يقرأ قوله تعالى:{فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ}[المدثر:٨ - ١٠] فسقط رضي الله تعالى عنه في المحراب فوجدوه قد مات رحمه الله من هذه الآية، وكذلك ما حصل لـ عمر رضي الله عنه حين سقط وهو يقرأ من سورة الطور.
فالكل لهم في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظيم الأسوة وعظيم القدوة، فقد كان صدره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأز كأزيز المرجل، أي: كالقدر الذي يغلي؛ لأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أقوى الناس قلباً، وانظروا كيف جمع الله له هاتين الخصلتين! أقوى الناس قلباً وأثبتهم جناناً، وفي نفس الوقت أكثرهم اعتباراً وتأثراً فهو متوازن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالاعتبار عظيم جداً؛ لكنه لا يغلب قوة قلبه صلوات الله وسلامه عليه؛ فهو ثابت واقف، فيأز صدره كأزيز المرجل -الذي يغلي- من الخشية والخشوع والتدبر والتفكر؛ وكذلك كان خيار أصحابه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثله.
فإذا ضعف القلب -وأحياناً يضعف- يسقط مثل ما فعل زرارة وغيره، فيسقط ولا يستطيع أن يتحمل هذه العبرة، أو هذه الآيات.
وأما إذا ضعف اليقين أو ضعفت العبرة فماذا يحصل؟ لا يأز الصدر ولا يتحرك الجنان، فذلك مثل حالنا نحن الآن، نقرأ الآيات ونسمع السور ونسمع العبر، فلا نتأثر، لأن الوارد ضعيف، ولم يرد على القلب شيء قوي، بل ورد عليه شيء ضعيف، وهو قاس -نسأل الله العافية- أو مريض أو فيه تحجر فلا يتأثر؛ فلذلك كان كمال العبادة في هديه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو له كمال القوة والثبات مع كمال الاتعاظ والاعتبار صلوات الله وسلامه عليه.
والآيات عظيمة وعبرها كثيرة ونريد من أبي عبد الرحمن - يحيى اليحيى - حفظه الله -وقد زارنا هذه الليلة- أن يشارك ولا نسامحه ولا نعفيه، وإن كان بعض من حضر لا يعرفه حفظه الله، وأنا أكره حقيقة الحديث على الإنسان بحضوره سواء فيّ أو في غيري، لكن نعرفكم بهذا الشيخ، ونسأل من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يحفظه وأن يبارك في عمره، فقد تخرج على يديه من حفاظ الكتاب والسنة الجمع الكبير -ولله الحمد- وهو معروف حفظه الله في القصيم وما حولها، وإنها حقيقة لسعادة وشرف لنا نحن أبناء هذه المنطقة أن نراه وأن نسعد به، ولا بد أن نستمع إليه ولعلنا إن شاء الله نكمل هذه العبر والدلائل في لقاء آخر بإذن الله، وأمامنا كم هائل من الأسئلة فلا نطيل، ولكن نسأله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم من عباد الرحمن.
اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، اللهم اجعلنا من أوليائك الصالحين، اللهم اجعلنا من المخبتين، اللهم اجعلنا من المنيبين، اللهم اجعلنا من الصادقين، اللهم اجعلنا من المخلصين، إنك سميع مجيب.