كثيراً من الناس بل من الدعاة، يدَّعون أن الحكمة هي ترك الأمور المختلف فيها، ويعنون بذلك الأمور العقدية سواءً في توحيد الألوهية، أو ما يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات، فما رأيكم في ذلك؟
الجواب
إذا أخذنا بهذه القاعدة -كما ذكرها السائل- فإنه لن يبقى من ديننا شيء؛ لأن بعض الناس يقول: ادع إلى كل شيء لكن لا تتعرض للشرك، وآخر يقول: ادع إلى كل شيء ولكن لا تتعرض للبدعة، والآخر يقول: ادع إلى كل شيء إلا الربا والرابع يقول: إلا الزنا، وآخر يقول: يا أخي! نحن وإياك نتفق على أن ندعو هذا الإنسان إلى الصلاة ونترك عقيدته أياً كانت؛ فدعوناه فجاء يصلي، وجاء واحد من أهل البدع فأدخله في صلاة بدعية، ثم صلوات بدعية، لا أول لها ولا آخر، وقال: نلين قلبه -فقط- لله، فإذا لان قلبه لله؛ فليفعل ما يشاء.
فلان قلبه للدين والإيمان والآخرة، وإذا به لا يتورع عن أي بدعة، إما عن جهل، وإما عن تبعية لأصحاب الضلال، فما الفائدة؟! فإذا كان الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قد أقام الخلاف بين أهل التوحيد والإيمان -كما في الآية:{وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[يوسف:١٠٨]- وجعله أساساً من أساسيات الدعوة، وهو البراءة من المشركين؛ أفنأتي نحن ونقول: نريد دعوة من غير خلاف؟! والله تعالى يقول:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً}[الأنعام:١١٢]، وفي الآية الأخرى:{وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً}[الفرقان:٣١]؟! فالدعوة لا بد لها من عدو.
هل قرأتم أن نبياً دعا إلى الله ولم يعارضه أحد؟ وهل سمعتم أن رجلاً دعا إلى السنة ولم يخالفه أهل البدع؟! فلو تركنا الناس وأهواءهم لما استقامت لنا دعوة ولا دين.
وأما بعض الأمور الخلافية الفرعية التي اختلف فيها الصحابة الكرام؛ فإنها لا تفرق عن الصراط المستقيم، ولا ينبغي أن نتفرق فيها وأن نختلف عليها؛ وهذا حق.
أما التوحيد فهو الأساس، فإذا ضيعناه وقبلنا الخلاف فيه؛ فلا خير في دعوتنا على الإطلاق! وإلام سوف ندعو الناس إذا تركوا توحيد الله وأقررناهم عليه؟! فهذا غاية الجهل بحقيقة الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.