[الرد على من نسب التأويل والتعطيل للسلف]
السؤال
أحد الإخوة يسأل عن تفسير قول الله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:٤٢]، وذكر بأن ابن كثير قال: 'عن ابن مسعود وابن عباس والشك من ابن جرير {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:٤٢] قال: عن أمر عظيم، كقول الشاعر:
أصبر عناق إنه شر باق قد سن قومك ضرب الأعناق
وقامت الحرب بنا على ساق
وقال صاحب التفسير: قال العوفي عن ابن عباس في قوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:٤٢] يقول: حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال، وكشفه دخول الآخرة، وكشف الأمر عنه' فما رأيكم في هذا التأويل؟ وكيف نوفق بين ذلك وبين من ينفي وجود التأويل بالنسبة لآيات وأحاديث الأسماء والصفات عند السلف رضوان الله عليهم؟
الجواب
الحمد لله! هذا ليس بتأويل، ويجب أن نعلم جميعاً أن السلف الصالح رضوان الله عليهم ولا سيما أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يمكن أبداً أن يكون فيهم مبتدع، ولم يوجد في أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبتدع ولا مؤول، ولا معطل، ولا خارجي، ولا مرجيء، ولا جهمي، ولا شيء من هذه البدع، والحمد لله رب العالمين، فهو جيل مطهر نقي من هذه البدع والضلالات، بل هم الذين حاربوها وأنكروها.
ولكن هل كل واحد من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معصوم عن الخطأ؟ لا.
وهل كل واحد من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حوى العلم كله؟ طبعاً لا.
فقد يخفى على أحدهم شيء من العلم, وأيضاً قد يقع آحاد منهم في الخطأ.
فهذه الآية صح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن معناها (يكشف الرحمن عن ساقه عز وجل) فهل هذا الحديث بلغ كل صحابي؟ لم يقل أحد من العلماء أنه لا بد لأي حديث أن يبلغ جميع الصحابة أبداً، فعندما قال هؤلاء الصحابة عن الكشف عن الساق: أنه الهول والكرب والشدة هل قالوا ذلك تأويلاً؟ الصحيح لا, وإنما قالوا ذلك استناداً إلى لغة العرب، فلغة العرب هي أحد المصادر التي نعرف بها التفسير، ولكن نستعمله إذا لم نجد من كتاب الله ما يفسره، ثم من سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعد ذلك أقوال الصحابة، ثم اللغة, وهم يجتهدون حسب اللغة؛ لأنهم أهل اللغة المتمكنون فيها، وفي لغة العرب لا يُسمى هذا تأويلاً, لأن الكناية يعلم من درس منكم ذلك في لغة العرب لا تقتضي نفي الحقيقة, وهم يمثلون في البلاغة بقول الخنساء في أخيها:
رفيع العماد طويل النجاد ساد عشيرته أمردا
وإذا قلنا: إن فلاناً كثير الرماد, فهذه كناية عن الكرم, فبدلاً من أن أقول: فلان كريم، أقول: فلان كثير الرماد، فالعرب تمدح بعض الناس أنَّ كلبه لا يهر, أي من كثرة ضيوفه, وهذه كناية عن الكرم، لكن الكناية لا تقتضي نفي الحقيقة، فإن وصفي إياه بأنه كثير الرماد لا يقتضي ذلك أنه لا رماد عند بيته أو أنه ليس عنده كلب، أو أن كلبه لا يهر، فقد يكون فعلاً كثير الرماد -حقيقة- بأن يكون هذا الرماد موجوداً عند البيت، وأيضاً قد يكون كلبه لا ينبح لأنه كريم, لكن أنا لم أقصد هذا المعنى الذي يتبادر من ظاهر اللفظ، وإنما قصدت لازمه الذي كنيته عنه أنه كريم، وكذلك لا يلزم من أن يكون الكشف عن الساق كناية عن الشدة وعما في ذلك اليوم من مواقف رهيبة، لا يلزم من ذلك نفي الصفة وأن نقول: ليس لله تعالى ساق.
نلخص ونقرب ذلك ونقول: هل قال ابن مسعود أو ابن عباس: (إنه ليس لله تعالى ساق أو ليس لله يد)؟ لم يقولوا ذلك كمثل المعطلة والمؤولة الذين قالوا: 'ليس له ساق' فهذا فرق عظيم بين القولين، بين من نظر أن الأمر كناية أو لم يبلغه الحديث، وبين من نفى نفياًَ مطلقاًَ هذه الصفة التي صح بها الحديث.
وليس في الصحابة ولا في السلف مؤول؛ ولهذا نقول: ليس من مذهب السلف التأويل, وكل ما يقال: إن فيه تأويلاً، فإن هذا إنما أتي القائل به من سوء فهمه للغة العرب ومن سوء فهمه لعقيدة السلف، ومن بدعته إن كان من أهل البدع، أو بالخطأ في ذلك إن كان من أهل السنة , ونعيد هذه القاعدة ونقررها لا نقول: إن كل واحد من أهل السنة معصوم، ولا أن كل أحد من الصحابة معصوم عن الخطأ حتى في العقيدة, لكن العبرة بأنهم إذا أجمعوا فإنهم لا يجمعون على ضلالة ولله الحمد, وكل من أخطأ فإنه يرد إلى الأصل وإلى المنهج القويم، وهو كتاب الله، وسنة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما أجمع عليه السلف الصالح.