[الأحداث المتوالية على الأمة الإسلامية]
الحدث الأول: الذي حدث هو: ثورة الرافضة التي لا يخفى عليكم الزخم الإعلامي الهائل عند قيامها، وكانت امتحاناً عسيراً وصعباً في مقدرة الدعوة الإسلامية على مواجهة الحقائق, وغض النظر عن العواطف والانفعالات, ولم يصمد أمام هذه العاصفة الهوجاء إلا قلة قليلة ممن كانوا يعرفون منهج السلف الصالح ويتبعونه، ويزنون كل حركة وفرقة بميزان السلف الصالح.
انساقت الدعوة الإسلامية كلها -تقريباً- بزعمائها ودعاتها وراء تأييد هذه الحركة.
وليس المقصود أن نتهم ولا أن نجرح أحداً, بل المقصود أنها مرحلة مرت, ولكن يجب أن نأخذ منها من العبر.
هذا هو المهم, وأرجو أن يُفهم ذلك إن شاء الله فقد كان امتحاناً عسراً، ولم تكتشف لكثير من علماء الإسلام حقيقة هؤلاء.
والعبر التي كان يجب أن يتنبه لها من أول الأمر لم تكتشف إلا بعد سنوات -مع الأسف- بل لا يزال بعضهم إلى هذه اللحظة لم ينكشف له هذا الزيف، وهذه هي المصيبة في الواقع.
فالتآمر المجوسي اليهودي النصراني الشرقي والغربي على السنة وعلى أهل السنة وعلى الإسلام الحقيقي، لا تنسي هذه المعركة وهذا التآمر في زحمة وعنفوان العاصفة الهوجاء، فالأمر لم يتبين على الأقل، ولم يبحث، ولم يتأمل فيه, وهي مشكلة تعاني منها الدعوة، وللأسف أقول: ولا تزال.
الحدث الثاني: ثم كان الحدث الآخر وهو: دخول الشيوعيين المجرمين واحتلالهم لأرض أفغانستان مقبرة الغزاة.
ولا نعني بها أن الروس احتلت دولة إسلامية فقد احتلت بلاداً غيرها.
لكن الذي حصل في القضية الأفغانية: هو أن الأمة لأول مرة يرتفع فيها صوت ينادي بكلمة الجهاد لأجل إعلاء كلمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قبل ذلك لم نكن نسمع ذلك, بل كان عندنا منظمات التحرير, والمطالبة بالاستقلال، لكن الكلمة الشرعية لا تراد ولا تسمع، والهدف الشرعي لا يراد ولا يسمع, ولذلك تجاوبت الأمة شرقاً وغرباً لكلمة: الله أكبر، ولكلمة الجهاد، وإذا بها تلتف بها من كل جهة، بمشاعرها وبعواطفها، وتفوق كل التوقعات, وهذا أيضاً له جوانب إيجابية ولكنه في الوقت نفسه استدعى من أعداء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تخطيطاً دقيقاً عميقاً.
أما المسلمون فكانوا منبهرين من غضبة العاصفة، ولم يحسبوا حساب كل مرحلة، ولم يحسبوا أن القوى الخبيثة تراقب هذا التوجه، وماذا تريد منا بعد ذلك؟ وهل تريد -فعلاً- أن يقوم في هذا البلد أو أي بلد دعوة إسلامية جهادية نقية؟! هذه أسئلة نضعها أمام الإخوة الكرام الدعاة.
الحدث الثالث: ثم كانت بعد ذلك المآسي الدامية التي حدثت في بلاد الشام من تدمير مدن السنة الكبرى حماة وطرابلس ومخيمات الفلسطينيين في لبنان , وهذه لم تدمر نتيجة أهداف عارضة عابرة، وإنما لأنها التجمعات الكبرى السنية ولأنها مرتكز أهل السنة , ولأن العدو يخطط تخطيطاً بعيداً, فهو يخطط وأمامه خارطة الحروب الصليبية, أمامه أحداث التتار, وأمامه ما جرى أيام الدولة العثمانية!! وهو يعرف العدو الحقيقي، ويعرف أين يضرب، ومتى يضرب، وكيف يضرب, لكن -مع الأسف- أقول: إن العاطفة، لا تزال هي التي كانت بمواجهة هذه الأحداث, وأضعنا فرصة ذهبية كبرى لا تعوض في تلك المرحلة، إذ كان بالإمكان لو أن معيار المواجهة دائماً هو معيار أهل السنة والجماعة , ومنهج السلف الصالح لتحولت المعركة تحولاً جذرياً في تلك المرحلة, ولكن قدر الله وما شاء فعل، كان في الإمكان أن نقول: إن المعركة بين السنة وبين الباطنية , ومهما قيل عن أعداء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الذين ذبحوا أهل السنة فإن أحداً لن يستطيع أن يقول فيهم أو يدمرهم ويفقدهم شرعية وجودهم، كما كتب شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية قبل قرون.
إنها فتوى شَيْخ الإِسْلامِ في النصيرية , لو أن الأحقاد المذهبية والتعصب لم يحل بينها وبين الناس, ونشرت في عامة الناس في شرق العالم الإسلامي وغربه، ووظفت لخدمة تلك المعركة، وتلك الأحداث لتغير وجه المعركة، ولتغير وجه التاريخ ولما كانت النتيجة تدهوراً هائلاً, الله أعلم متى تجبر هذه المصيبة، نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يفرج عن المسلمين، ويجبر مصائبهم دائماً إنه سميع مجيب.
إنما العبرة من هذه المصيبة لا تزال، وهي أننا لأسباب -لا نريد التفصيل فيها- لم نستطع أن نوظف الموقف الذي وقفه علماء أهل السنة في الماضي، بل انشغلنا به في زحمة وخضم المعركة.
إن المنهج السليم هو منهج أهل السنة والجماعة , وإن المعيار في الحكم على أي أحد هو معيار أهل السنة والجماعة؛ لأنهم يرجعون إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ليس المقياس مقياس أرض فرط فيها، أو خيانة سياسية أو عسكرية، إن هذه الخيانات أعراض لمرض أساسي وهو فساد الاعتقاد.
ومهما استطعت أن تقنع الناس بما في خصمك من فساد, فإن ذلك لا يغني شيئاً عن أن تقنعه, وتبين له, أنك أنت على الحق وعلى المنهج الصحيح السليم الذي لا ينحو صاحبه في الدنيا ولا في الآخرة إلا به, وهذا هو خلاصة دعوة الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم، فالأساس في الدعوة هو التركيز على أن هذه الدعوة هي مناط نجاتك أنت أيها المدعو كائناً من كنت في الدنيا والآخرة.
وأن الالتزام في هذا المنهج نصر في ذاته, فالتمسك بالحق، والتمسك بدعوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبما كان عليه أصحابه هو نصر، بل هو أعظم النصر بغض النظر ِعن أرض خسرناها، أو شهداء قدمناهم، أو معركة نكسبها أو لا نكسبها، هذا هو النصر ولو أشعرت الأمة بذلك وأنير لها الطريق, لكان الحال غير الحال.
ثم قدر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وتلاحقت الأحداث فيما بعد حتى كان الحدث الذي أربك الشرق والغرب، ونقول -مع الأسف-: إننا لم نقدره كما ينبغي حتى اليوم, وكان الواجب علينا أن ننظر إليه النظرة الشمولية التي تجعلنا نوضح ونفيد من كل حدث، لأن هذه أقدار من الله يسوقها لنا ونحن لا ندري, ثم نضطرب كيف ننزلها في معركتنا، وهذا من العجب! الحدث الرابع: وهذا الحدث هو ما يسمى بالانتفاضة، وهي بسيطة جداً بالنظرة التاريخية, وبالنظرة العسكرية والمادية, فالمسألة أن أطفالاً صغاراً يحملون الحجارة في مواجهة دولة يؤيدها الشرق والغرب بالإجماع، كما قال جوربا تشوف في كتابه إعادة البناء ' إننا أول من اعترف بإسرائيل، ونحن الذين أنشأناها '.
لا حاجة للكلام عن أمريكا ودعمها السخي لإسرائيل، فالشرق والغرب كله كما ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:٥١] كل الشرق والغرب مع هذه الدولة أو الدويلة وكنا نسميها عصابة حتى صارت إسرائيل الكبرى التي تملك الآن عشرين قنبلة نووية -هذا هو المعروف دولياً- ونحن لا ندري كم الطائرات التي تقاتل على أبعد مدى كالتي ضربت في تونس على بعد آلاف الأميال, وهددت بالضرب في كراتشي أو في إسلام أباد إن صُنعت قنبلة نووية في باكستان والتي ضربت العراق، فالمنطقة كلها تحت رحمتها.
وبالنظرة المادية المجردة فإنه لا يضرهم أطفال الحجارة، وهذا ما لم ننتبه له نحن، ولكن الشيطان يؤز أولياءه ليعرفوا خطر هؤلاء.
فالقضية ليست حجراً يواجه دبابة ولا صاروخاً ولا سيارة مصفحة؛ فليست هذه هي المسألة، فإن الصواريخ وطائرات الميج, التي كانت الإذاعات تغني "طائرات الميج تتحدى القدر" التي كانت مرتبطة بـ الاشتراكية والقومية والزعامات الشخصية لم تغنِ عنهم شيئاً، بل خانتهم أحوج ما يكونون إليها، أما الحجر فقد خرج من المسجد وانطلق بكلمة: الله أكبر, هذا هو السر, وهذا هو الخطر, مع أ، الحجر لا يحمل رءوساً نووية قطعاً, وليس فيه مواد كيماوية، فهو حجر فقط، لكن العالم كله انتفض وانزعج منه، بل صرح الرئيس الكاثوليكي المتعصب ميتران بأن خطر الانتفاضة قد يعم المنطقة كلها بوباء التعصب الديني سبحان الله!! هذا هو الذي أفزعهم ونحن لم نقدر هذا, ونحن لما رأيناهم انتفضوا واهتزوا -أي: الغربيين- بدأنا نفكر لماذا هذه الانتفاضة يخافون منها إلى هذا الحد؟ وهم الذين أشعرونا أنها خطر وليس الخطر في الحجر، ولكنه من كلمة: الله أكبر وفي المسجد.
إن هذه الأمة لو عادت إلى أصولها، وإلى كتاب ربها وسنة نبيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو جاهدت من أجل لا إله إلا الله وإعلاء كلمة الله، فمعنى ذلك تقويض الشرق والغرب، حتى يخسر موقعه، ولهذا كانت الآثار العالمية التي قد لا يصدق بعضهم أنها مترتبة ومبنية على آثار الجهاد الأفغاني، أو على آثار حركة الانتفاضة الفلسطينية وغيرها، كانت هذه المرحلة التي تسمعون عنها هذه الأيام -وما زلنا- هي من أشد مراحل الوفاق، هذا الاتفاق الدولي الكبير، حيث اتحد الشرق والغرب، وتوحدت ألمانيا ليلة عيد الفطر، وأول قرار يتخذه البرلمان بعد توحيده هو إدانة النازية واتهامها بدماء اليهود، فلهذا اتحدت أوروبا الشرقية من أجل إثبات أن النازية مدانة، ولأجل أن تتحمل ألمانيا شرقها وغربها الميزانيات والمليارات لإمداد اليهود، دفعاً لديات الذين قتلوا منهم، مع أنه قد قتل من الأوروبيين في الحرب العالمية أكثر من (٦٠ مليوناً) ولم يدفع ديتهم أحد، حتى افتعلت معارك مع المقابر من أجل إحياء النعرة الدينية، ومن أجل توظيف الصليبية ضد العالم الإسلامي.
في ليلة عيد الميل