بعض العلماء جعلوا أساس فساد القلب بالشهوات كالحسد، وبعضهم قالوا: هو القوة الغضبية، وبعضهم قالوا هي: قوتين أو أكثر، وأخذوا ذلك من قول الله تبارك وتعالى:{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً}[الفرقان:٦٨] قال العلماء رحمهم الله تعالى ومنهم ابن القيم: هذه الآية حذرت من ثلاثة أمور: الشرك، ودعوة غير الله، وهذا معلوم التحذير منه {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}[المائدة:٧٢] وما عدا ذلك فإن الموضوعان الآخران فيهما إشارة إلى القوتين اللتين في الإنسان، أو الخصلتين اللتين هما أساس كل معصية وذنب يفعله العبد، وهما القوة الغضبية والقوة الشهوانية.
القوة الغضبية تبدأ بأن تغضب من إنسان بغير حق، ثم تعتدي عليه بالضرب وتأخذ ماله، ثم تنتهي بقتله {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}[الفرقان:٦٨] فنبه الله تعالى على نهاية وغاية القوة الغضبية -حفظني الله وإياكم منها- ولهذا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصى الرجل مراراً {لا تغضب} فكل منا يعرف نفسه، فإذا كان ممن فيه حدة في جانب القوة الغضبية فليتدارك نفسه ولا يغضب، وليعالجها بالأدوية النبوية وقد بينها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وإما أن تكون القوة قوة شهوانية، وهذه القوة الشهوانية أول بدايتها تكون من الجوراح، بالنظر، ومعظم النار من مستصغر الشرر:
كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
أول ما يبدأ بالنظر، فيمد الإنسان عينيه إلى ما حرم الله -تبارك وتعالى- ويتبع ذلك النظر اتباع القلب، فيميل القلب وينصب ويعشق ويهوى ويتمنى، ثم بعد ذلك يدفع المال أو يبذل السبل، ثم تكون النهاية هي الوقوع في الفاحشة -والعياذ بالله- فيكون الزنا فلهذا قال:{وَلا يَزْنُونَ}[الفرقان:٦٨] فنهى عن الزنا بعد أن نهى عن الشرك وعن القتل، فالقوة الغضبية والقوة الشهوانية هما أساس كل ذنب ومعصية.