وإنه لجدير بكل مؤمن مع هذه الأحداث والفتن والمحن والبلايا، أن يراجع نفسه مع كتاب الله، وأن ينظر فيما ابتلى الله تبارك وتعالى به الأمم من قبل، والشعوب من حولنا، وأن نعلم جميعاً أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، ولا مفزع من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلا إليه، فلنكن صادقين في قولنا:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة:٥]، ولنكن صادقين في توكلنا على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولنكن صادقين في اعتصامنا بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولنكن صادقين في دعوى أننا نسير على عقيدة السلف، وعلى منهج السلف الصالح، وأننا متمسكون بعقيدة الحق وشريعة الحق، ولنصدق الله؛ يصدقنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولنتب إلى الله ولنجعل ما جاء أو استشرف أو استجد من الفتن سبباً لأن نكف عما حرم الله، وأن نتوب عما أجرمنا، وعما أسلفنا دولاً وأفراداً وجماعات، فهذا واجبنا جميعاً أن نعلم أن هذه المصائب والفتن والمحن، نذير من الله تعالى، فإن تبنا واستغفرنا وأصلحنا، دفعه الله تبارك وتعالى عنا بما يشاء.
وإن اعتمدنا على الأسباب المادية، وركنا إلى خلق من خلق الله مثلنا، بل ربما كانوا أقل منا، فلربما سلط علينا من غير أهل ملتنا، وهم غير أهل لأن ينصرهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ولكنه يبتلي البعض بالبعض ويولي بعض الظالمين بعضاً بذنوبهم جميعاً، فيقول الله تعالى:{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأنعام:١٢٩].
فنقول: إذا اعتمدنا على هؤلاء الكفار، واعتمدنا على نصرتهم ومعونتهم، ولم نوثق الصلة بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ونتوكل عليه وحده، ونعتمد عليه وحده، فإن العاقبة ستكون وخيمة، ونكون كمن أراد أن يفر من عقوبة الذنب، فوقع في ذنب أكبر وأعظم -نسأل الله العفو والعافية- فالأمة قد تحتاج، وقد تضطر إلى أي سبب من الأسباب، والأخذ بالأسباب واجب، وهو من الدين، وهو من التوكل ولا ينافيه، لكن فرق بين أن نأخذ بالأسباب، ونحن على إيمان ويقين وإخلاص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وعلى توبة صادقة مع الله، وبين أن نركن إلى الأسباب، ونغفل عن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ونعلق آمالنا بهذه الأسباب، نسأل الله العفو والعافية.
وإن هذه الأحداث ليس فيها جديد بالنسبة إلى سنن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فكلها تجري وفق سنن دائمة، كما ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ولكننا نغفل، ولا ننظر إلى مرادها، ولا نتأمل كتاب الله، ثم ننظر إلى واقعنا، فلا ندري أيكون الابتلاء بهذا أو بذاك، لمن نراه صديقاً أو نحسبه عدواً، فيجب أن نتوقع الابتلاء والعذاب والمصيبة، ما دمنا في هذه الذنوب والمعاصي، التي لا أرى حاجة لأن أعددها وأذكرها فهي ملء السمع والبصر ولا تخفى على أحد منا، فذنوبنا هي السبب، فما وقع بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، كما أن أسباب النجاة بين أيدينا، وأن رحمة الله تبارك وتعالى بالمؤمنين -ولله الحمد- غير غائبة عنا، ولكن علينا أن نأخذ بهذه الأسباب، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.