أُنزل القرآن على قوم كان منبع فخرهم فصاحة اللفظ وبلاغة البيان، فكان للكلمة مدلولها وأثرها في قلوب ذلك الجيل؛ ولذلك من آمن منهم بالله وقرأ كتاب الله تمسك به، وعمل بمقتضاه، وعرف فضله على ما كان موجوداً عندهم من كلام فصيح وأشعار بليغة، وعرف أن هذا القرآن إنما هو كلام الله وليس من كلام البشر؛ ولذلك أنزلوه منزلته، وتنافسوا في أخذه، وتفاضلوا بناءً على ذلك، كما أنهم عرفوا فضل من بُعث به، وهو نبي الهداية محمد -صلى الله عليه وسلم- وعرفوا أن حبه ومنزلته إنما بلغها بما جاء به؛ فأحبوه حباً أدى بهم إلى صدق اتباع هديه، والسير في الطريق الذي حدده لهم؛ وأكبروا فعل من خالفه وقاتلوه أشد القتال، وأيقنوا أن الله قد أتم دينه، فما كان موجوداً لديهم من علم وقول أو فعل عملوا به وما بعد ذلك لا يكون إلا الغواية والتردي في مسالك الهوى والزيغ والضلالة الموصلة حتماً إلى سخط الله وعقابه.