[مفاجأة الأحداث]
الحمد لله القائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة:١]، والقائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:٥١]، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد القائل: {إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم بأذناب البقر، واشتغلتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم}، وعلى آله وأصحابه والتابعين، الذين جاهدوا في الله حق جهاده، ولم تأخذهم في الحق لومة لائم، أما بعد: أهمية الموضوع: فيأتي هذا الكلام، في ظروف حرجة، وفي أزمة صعبة تعيشها الأمة الإسلامية من أقصاها إلى أدناها، وفي فتنة تدع الحليم حيران، ولكن ماذا عسى أن يفعل المؤمن؟ وماذا عسى أن يفعل طالب العلم وطالب الحق إذا عرف شيئاً من الحق وفتح الله بصيرته له؟ ليس إلا أن يبلغه؛ ليكون من الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه، ولا يخشون أحداً إلا الله؛ وذلك عملاً بقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الدين النصيحة}، وكما كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبايع أصحابه؛ فقد بايعه جرير بن عبد الله رضي الله عنه {على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم}.
إذاً: فلابد أن تقال النصيحة، ولابد أن تقال كلمة الحق لهذه الأمة التي غرقت في شهواتها وملذاتها؛ إلا من رحم الله تبارك وتعالى؛ فلابد أن تقال النصيحة، فإن قبلت فذلك ماكنا نبغي، وإن لم تقبل فكم رُدَّ من نصائح من قبل، وفما كان منها من صواب فهو من الله، وما كان من خطأ فمن النفس والشيطان، أعاذني الله وإياكم من شره.
إننا نعيش هذه الأيام أزمة ونريد وقفة، بل إنه نحتاج إلى وقفات عاقلة، متأنية، بعيدة عن العواطف؛ لننظر في هذه المصيبة الراهنة، وما الذي أوصلنا إليها؟ وكيف آل بنا الحال إلى هذا المآل؟ وماهي الأسباب وراء ذلك؟ وهل من سنن لله تبارك وتعالى في تغيير هذه الحال؟ وماذا نفعل؟ وماذا يجب علينا -نحن طلبة العلم بالأخص- أمام هذه المواقف العصيبة؟ أقول: إن الأحداث التي حدثت فاجأتنا جميعاً، وسر المفاجأة عندي يكمن في عنصرين: الأول: غفلتنا إلا من رحم الله تبارك وتعالىعن قراءة سنن الله في الكون، وفي الأمم قبلنا، مع أنها في كتاب الله واضحة كل الوضوح، وكذلك غفلتنا عن قراءة تاريخنا الإسلامي، وماذا يكتنفه في كل صفحة من صفحاته من العداء ومن البلايا والمحن؟ فقد عشنا حقبة من الزمن في هذه البلاد في ترف ونعمة ورخاء، وماكنا نحسب أن هذا الحال قد يتغير أو يتبدل أو يهتز، فكأننا قد أمنا عقاب الله، وأمنا مكره {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٩] نسأل الله العفو والعافية.
وكأننا قد أخذنا من الرحمن موثقاً أن لا يعذبنا؛ وإن ارتكبنا ما ارتكبته الأمم قبلنا فعذبت به، وكأننا ينطبق علينا ما ذكره الله تبارك وتعالى عن بعض كفار قريش، فقال: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} [مريم:٧٨]، لا والله لا نعلم الغيب، فالمستقبل محفوف بالمخاطر، وينبغي أن نتوقع ذلك، ولا عهد لنا من الله، إذ ليس بين الله تعالى وبين أحدٍ من خلقه نسب إلا التقوى، وإنما عهد الله وتأذن بالنصر والتمكين لمن شكر النعمة، أما من كفرها وبطرها وبدَّلها كفرًا؛ فإن مصيره كما ذكره الله عز وجل في كتابه الكريم في آيات كثيرة.
الثاني: الذي جعل المفاجأة بهذا الشكل: هو أننا لا نقرأ ما يقوله أعداؤنا؛ بل لا نحاول أن نتعرف عليه، ومن هنا وقعنا في خطأ كبير أدى إلى هذه المفاجأة وهذا الذهول، وقد صدق وهو كذوب من قال: 'إن العرب لا يقرءون، والمشكلة أنهم إن قرأوا فإنهم لا يحللون ولا يفهمون، وإن فهموا فإنهم لا يعملون، وإن عملوا فإنهم لا يصيبون ولا يسددون ماداموا عرباً" أي: ما دامت الرابطة والجامع هو العروبة، ومادام الاسم ليس اسم الإسلام، وليست رابطة الإسلام.
في الواقع أن هذه الأحداث التي نراها هذه الأيام ليست بجديدة ولا غريبة على من تتبعها، أو على من يتتبع ما يقال وما يكتب، فضلاً عمن يقرأ ما ذكره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من أحوال الأمم قبلنا حين عصت الله.
فإن زوال النعم متوقع، وإن نقص الأموال والأنفس والثمرات، هو الذي يجب أن يتوقع؛ لأننا لسنا على مستوى من الإيمان، والتقوى والصبر الذي يؤهلنا لدفع هذا العذاب عنا، إلا أن نكون مجاهدين بدلاً من أن نُغزى في عقر دارنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أما الجانب الأول من الأعداء -وهو الذي هزنا جميعاً وفاجأنا- هو حزب البعث، ذلك الحزب الملحد المرتد الكافر.
إني أقول بكل أسف: كنا نعلم أنه حزب مرتد كافر -أعني: من يعلم ذلك منا- ولكن ذلك لم يُبَيَّن، ولم تُقَلْ كلمة الحق كما ينبغي؛ ونحن الدعاة أول المسئولين في هذا الجانب، فقد قصَّرنا كثيراً في توعية الأمة بحقائق هؤلاء القوم، ثم إننا نسينا أنه حزب صليبي، وأن الذي أسسه رجل صليبي ومايزال الرجل الثاني -تقريباً- فيه صليبي، فكان ينبغي لنا أن نعلم ذلك.
وقد ذكر لنا ربنا عز وجل أن اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض، وأنهم صليبيون يأتوننا بأسماء أو شعارات عربية، ويأتوننا بوجوههم الكالحة المكشوفة في العالم الغربي، وكلهم عداوتهم للإسلام واضحة.
ولن أطيل في ذكر الحديث عن هذا الحزب وكفره وضلاله، ولا عن هذه العداوة التي يكنها للإسلام والمسلمين، ولا عن هذا الهجوم الذي أراد أن يُباغت به المسلمين، وأن يكتسح به ديارهم، فذلك معلوم معروف، وقد ظهر الآن، ولكني أحب أن أعرج -ما أمكن- على الجانب الآخر من العداوة.
وهو: جانب اليهود والنصارى والغرب، إذ يخشى الإنسان في زحمة الأحداث، ومعتركها أن يضيع أمراً وجانباً عظيماً من جوانب العقيدة، وهو: الولاء والبراء، ويخشى أن يؤدِّي ماحصل من أحداث إلى أن يكون في قلوبنا مودة للذين كفروا وهم أعدى أعدائنا، نسأل الله العفو والعافية.
فمن هنا لما رأيت الخطر محدقاً على إيماني، وعلى إيمان إخواني المسلمين فيما يتعلق بموالاة المؤمنين، ومعاداة الكافرين، والموقف من اليهود والنصارى، وأن الاستثناء ربما أصبح عندنا قاعدة عامة، قلت: لابد أن أبين لإخواني هذه الحقيقة، وأن أعرفهم بخطر هذا العدو الآخر مهما يظهر لنا من أوجه أو تقنع بأقنعة؛ فإنه عدونا إلى قيام الساعة، وكما قلت: إن البعثيين هم أعداء ساعة، وما هي إلا نطحة أو نطحتان -كما جاء في الحديث عن فارس- ثم يذهبهم الله عز وجل كما يشاء، ولكن العدو الأبدي الذي هو عدونا إلى قيام الساعة كما أخبر النبي الصادق المصدوق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم هؤلاء الروم (الغرب) الذين تكالبوا علينا من كل جهة، وجاؤونا من كل فج عميق.
إذاً يجب أن نُقدِّر الضرورة بقدرها، ولكن علينا مع ذلك أن نُقدِّر أسباب هذه الهجمة، ولماذا جاءوا؟ وماهي العواقب الوخيمة التي قد تنتج عن وجودهم بيننا؟ ولنكن في كل أمورنا ملتزمين بأمر الله، وبشرعه، وبدينه؛ ولا مانع أن يذكر بعضنا بعضاً بما نسينا أو غفلنا عنه في هذا الجانب.