في هذا العصر الذي تسود فيه هذه الدول الغربية على كل أنحاء البسيطة تقريباً، وينظر المسلم ويعلم أن ما هو عليه هو الحق، وأن أولئك ما هم عليه هو الباطل، وأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ابتعث هذا الدين ليكون للناس كافة، فكيف تكون نظرته لواقعه ولمستقبله، ومستقبل الإسلام؟
الجواب
الإجابة في هذا تطول، لكن نقول: أهم ما ينبغي أن يعلمه المسلم: أن سيطرة الكفار وعلوهم في الأرض واستكبارهم إنما هو أمر موقوت محدود، وأن لهم نهاية ولهم عاقبة، كما ذكر الله تبارك وتعالى:{وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً}[الكهف:٥٩].
فكل أمة لها نهاية، وإنما قص الله تبارك وتعالى علينا أخبار عاد وثمود وفرعون وأشباههم لنعلم ونعتبر، قال تعالى:{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}[الحشر:٢] ولنعلم أن مصير هؤلاء هم كمصير أولئك، وأن هذا من الاستدراج، قال تعالى:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ}[الأنعام:٤٤] وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً}[يونس:٢]، وهكذا آيات كثيرة تدل على أن مصير هؤلاء لا بد أن يندرج تحت هذه السنة، وأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سوف يهلكهم ويزيلهم.
في المقابل -أيضاً- نجد أن الاستضعاف الذي يعيشه المسلم والغربة التي يشعر بها، هي -أيضاً- مقدمة بإذن الله تعالى إلى الاستخلاف والتمكين، كما ذكر الله تبارك وتعالى:{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}[القصص:٥ - ٦].
هذه قاعدة عامة، وقد تحقق ذلك لبني إسرائيل، كما وعد الله تبارك وتعالى:{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}[الأعراف:١٣٧]، وكذلك هذه الأمة المؤمنة استضعفت وأوذيت في أول أمر الدعوة حتى هاجر من هاجر إلى الحبشة، وأوذي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضيق عليهم حتى كادوا أن يتخطفهم الناس، ثم شاء الله تبارك وتعالى أن ينعم عليهم، فجاءت السنة الربانية بالاستخلاف والتمكين، وأظهر الله تبارك وتعالى دينه على العالمين.
ونرجو -وهذا وعد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نؤمن به ونصدقه- أن هذه الأمة ستعود -بإذن الله تبارك وتعالى- إلى الاستخلاف والتمكين والقوة، وسوف يديل الله تبارك وتعالى هذه الدول، وينالها كما نال الأمم قبلها، لكن لله تبارك وتعالى سنة، وهي أنه لا بد أن يكون هذا بجهد منا نحن البشر وبعمل منا، وهذا ما فعله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه كما في غزوة تبوك وفي غيرها، وكانوا في الفتوحات يواجهون هذه القوى، ونصرهم الله تبارك وتعالى عليها، وأعدوا لها العدة بقدر ما استطاعوا، وهزموا في بعض المعارك، وقُتِل من قتل من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم في فتوح الشام وفارس وفي النهاية أظهر الله تبارك وتعالى هذا الدين.
فلا بد لنا مع هذا اليقين في وعد الله تعالى وعدم اليأس، أن نتوكل على الله ونعد العدة، وأن نقاوم به هذه القوى الطاغية المستكبرة في الأرض، وحينئذٍ ينصرنا الله عز وجل كما وعد.