للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأخطار العقائدية]

شرعت الهجرة لأن الإنسان يتأثر ببيئة الشرك، يتأثر بما يقوله المشركون وما يعتقدونه هو وأبناؤه وأهله وذووه، والمؤمن مأمور أن يُمَحِّصَ إيمانه وعلاقاته وروابطه وأواصره، ولهذا أنزل الله تبارك قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} [الممتحنة:١] وكانت بعد ما تم صلح الحديبية.

ومع ذلك فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في هذه السورة قطع تلك الأواصر والعلاقات إلا علاقة الإيمان، فقال في حكم المؤمنات المهاجرات: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة:١٠] وكما بين -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في أنه لا علاقة بين المسلمين والكافرين، إلا في التعامل الحسن للذين لم يؤذوا المسلمين، ولم يخرجوهم من ديارهم، ولم يظاهروا على إخراجهم.

ولذلك فإن كثيراً من الفقهاء نصوا على أن المسلم الذي أسلم في بلاد الكفار ولم يخرج إلى بلاد المسلمين، بل بقي معهم أو رئى في صفهم وقتل فإنه كافر!! فالأمر ليس بالأمر الهين، وما ذلك إلا لأن المسلم يجب أن يتميز عن هؤلاء الكفار والمشركين، فإذا أسلم الشخص، وكان في بيئة كافرة، ويجب عليه أن يفارق بيئتهم، وينتقل إلى بيئة الإسلام.

ولكن الذي يحصل -مع الأسف- هو العكس فالمسلمون -وهم في بيئة الإسلام وفي بلاد الإيمان- هم الذين يختارون -طوعاً ورضاً- الذهاب إلى بلاد الكفار، وأن يقيموا ويعيشوا فيها لغير ضرورة ولا حاجة! وهذا بلا شك إحدى العلامات التي تدل على ضعف الإيمان أو على فقدانه.

وقد ذكر العلماء أنه ما من قضية أو أمر من الأمور -بعد التوحيد وبعد النهي عن الشرك- أكثر وروداً في الكتاب من الأمر بموالاة المؤمنين، والنهي عن موالاة الكافرين، فمن تلك الآيات قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر} [آل عمران:١١٨] وقوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة:٨٢] وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:٥١]، وقوله جل شأنه: {إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً} [النساء:١٠١] وقوله عز وجل: {لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً} [التوبة:١٠].

وآيات وأحاديث كثيرة وعاها المسلمون الأولون المجاهدون الذين كانوا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن بعده، فكانوا لا يحلون الإقامة في بلاد الكفار، ولا يذهبون إليهم، إلا لضرورة أو حاجة ملحة، مثلاً: للدعوة إلى الله ويعودون، أو يذهبون رسلاً من المسلمين إلى تلك البلاد، أو يذهبون للتجارة.

ولها أيضاً ضوابط محددة لا بد أن يلتزم بها المسلم كما يلتزم بها أولئك الكفار إذا قدموا إلى ثغور الإسلام، كل ذلك لأن البيئة لها تأثيرها، ولأن المؤمن لا يكون مؤمن حقاً إلا إذا قطع صلته بالمشركين، وهجرهم وترك موالاتهم.

واختلاطه بهم، وعيشته في بيئتهم مما يدفعه إلى أن يواليهم ويحبهم، وقد يمنعه ويحول بينه وبين إظهار دينه، فيرضى بالذل مع أنه مسلم! فتكون النتيجة أن الإسلام قد ذلَّ بذلِّ ذلك المؤمن الذي يقيم في بلاد الشرك، فهو لا يستطيع أن يجاهر بتكفيرهم أو بما هم عليه من الضلال، أو يجاهر بدعوتهم إلى التوحيد وإلى الحق.

ولا شك أن من أكبر العوامل في هدم الأمة الإسلامية، وهدم الأسرة المسلمة بالذات، هو ما ارتكبه بعض المسلمين من ذنب عظيم، وهو: استحلالهم واستمراؤهم أن يسافروا إلى بلاد المشركين ويقيموا فيها، وأول ما يفكرون فيه هو معصية الله تعالى، والتخلي عن العادات والأخلاق الإسلامية الظاهرة، ويعقب ذلك التحلي بالعقائد الباطلة شيئاً فشيئاً -عافنا الله وإياكم- فالمرأة المسلمة منذ أن تركب الطائرة، تبدأ تتجرد من الحجاب، وتتزيا بزي الكافرات! حتى إذا نزلت هناك أصبحت مثلهن، والرجل كذلك يتزيا بزيهم، ولا شك أن المشابهة بهم في الظاهر يورث التشبه بهم في الباطن؛ كما نص على ذلك شَيْخ الإِسْلامِ في موضوع المشابهة في كتاب: اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، فهذه المشابهة في الظاهر تؤدي إلى الاندماج والمشابهة في الباطن شيئاً فشيئاً، وهذا ما قرره علماء الاجتماع وعلماء النفس في العصر الحاضر، بناء على تجارب ملموسة واضحة.