[مذاهب الفقهاء في الاستعانة بالمشركين]
ولنستعرض أقوال المذاهب الأربعة: أولاً: مذهب الحنفية: رأي الحنفية: قال محمد بن الحسن: ' لا بأس أن يستعين المسلمون بأهل الشرك على أهل الشرك إذا كان حكم الإسلام هو الغالب '، وقال الجصاص: ' وقال أصحابنا: لا بأس بالاستعانة بالمشركين على غيرهم من المشركين إذا كانوا متى ظهروا كان حكم الإسلام هو الظاهر ' فرأي الحنفية أصحاب الرأي يوافق ما قال، فله فيه دليل ثم ننتقل إلى المالكية.
ثانياً: مذهب المالكية: قال ابن القاسم: ' ولا أرى أن يستعينوا بهم يقاتلون معهم إلا أن يكونوا نواتية أو خدماً -النواتية: هم خدم الدواب- فلا أرى بذلك بأساً '.
وقال مالك: ' لا أرى أن يستعان بالمشركين على المشركين إلا أن يكونوا خدماً '.
فكأن مالكاً يقول: المسلمون يحاربون وعندهم دواب، ويحتاجون أناساً يخدمونهم في خدمات النظافة، أو يجمعون الحطب، أو يطبخون أو أية خدمة معينة، فيمكن أن يأتوا ببعض المشركين يخدمونهم في هذه الأشياء، والمسلمون هم الغالبون، فيجوز استخدام المشركين بهذا الشرط: أي: ألا يكون لهم نفوذ، وألا تكون لهم جبهة، وألا يكون لهم قتال، ولا أي شيء، فلا دليل في هذا للشيخ، بل بالعكس هذا دليل ضد ما يقول.
ثالثاً: مذهب الشافعية: يقول الرملي صاحب كتاب نهاية المحتاج: ' وللإمام أو نائبه الاستعانة بكفار ولو أهل حرب؛ كأن يعرف حسن رأيهم فينا، ويشترط في الاستعانة: احتياجنا لهم لنحو خدمة أو قتال لقلةٍ ' فقد ذكر شرط الخدمة أو الحاجة للقتال، فالحكم ليس باتفاق الفقهاء كما قال الشيخ.
رابعاً: مذهب الحنابلة: قال ابن قدامة: ' وعن أحمد ما يدل على جواز الاستعانة بالمشرك؛ بل روي عن أحمد أنه يقسم للكافر من الغنائم إذا غزا مع الإمام خلافاً للجمهور الذين لا يقسمون له '.
القول الراجح في حكم الاستعانة بالمشركين: هناك رواية عن أحمد مع كلام الحنفية توافق ما قاله الشيخ، لكن المالكية والشافعية ورواية عن أحمد تخالف قوله.
وهناك حديث صحيح في صحيح مسلم ذكره الشيخ هنا، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لمشركٍ يوم بدر: ارجع فلن أستعين بمشرك}.
وحديث آخر يقول فيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين} فالمذهب الصحيح والقول الصحيح هو ما دل عليه الحديث الصحيح: {لا نستعين بالمشركين على المشركين} والعلماء الذين قالوا: "نأخذهم خدماً" رأوا أن هذا لا يخالف الحديث؛ لأن الحديث ينص على الاستعانة في القتال، وهذه إنما هي خدمة، وقالوا: لعل هذا لا يدخل.
فكلام الأئمة الأربعة يوافق الحديث إلا الحنفية مع رواية أحمد فإنها مخالفة للحديث فكيف يقول: اتفق الأئمة الأربعة على ذلك؟! ثم يبني على جواز الاستعانة بالمشرك، جواز الاستعانة بالمسلم الذي عنده شركيات، ليقاتل معنا الكفار، وهذا استدلال مع الفارق، وتعسف لا يصح أبداً.