والدليل الآخر هو دليل الرجل قاتل المائة نفس، وقد كان قتل في أول الأمر تسعة وتسعين، فذهب إلى العابد فلم تعجبه فتواه فقتله.
وهذا الحديث -على كثرة ما فيه من الحكم والدلالات- يدل على فضل العالم على العابد، فقد قال هذا القاتل لذلك العابد:{إني رجل قتلت تسعة وتسعين نفساً فهل لي من توبة؟ فاستعظم الراهب ذلك، فقال: لا أجد لك توبة}.
وهذا من قلة العلم والفطنة -كما ذكر العلماء- فإذا قلت له: لا أجد لك توبة؛ فكيف تأمنه على نفسك، وعلى غيرك من الناس؟! على أقل القليل كان من الحكمة أن تقول له ما تدفع به شره في هذه الحياة الدنيا.
{فلما قال له ذلك أكمل به المائة، وبعد ذلك ذهب إلى العالم، فأخبره بأن له توبة، وأرشده أن يذهب إلى القرية الصالحة ليعبد الله تبارك وتعالى فيها، ثم كان من أمره: أن قبضه الله تعالى واختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، وهذا فيه دليل على أن الملائكة تجتهد في أمر الله تبارك وتعالى، كما نجتهد بني آدم، فأخذوا ينفذون أمر الله تعالى، فملائكة الرحمة تقول: رجل تائب مقبل على الله، كيف ندعه لكم؟ وملائكة العذاب تقول: وأي توبة حصلت لرجل قتل مائة نفس، فحكم الله بينهم وهو الحكيم العليم أن انظروا إلى أي القريتين أقرب فألحقوه بأهلها}.
وجاء في بعض الروايات، من رحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {أنه أمر هذه أن تتباعد، وأمر هذه أن تتقارب، فقاسوا فوجدوه إلى أرض التوبة أقرب فغفر الله تبارك وتعالى له، وتولته ملائكة الرحمة}.
وعندما نستعرض موضوع التوبة -إن شاء الله- سنتعرض مسألة هل تقبل توبة القاتل أم لا؟ وهذا الرجل القاتل لما اقترن به الخوف من الله دفعه إلى أن يبحث عمن يرى له توبة، فقام بقلبه من ذلك الخوف والإنابة ما دفع تلك الكبيرة العظيمة.