وبين يدي الآن كتاب مهم جداً، هو كتاب: العلم في منظوره الجديد، حبذا لو تصفحناه قليلاً، فإنه يفند النظريات القديمة، النظريات التي تجزئ النظرة إلى الإنسان، وتفصل ما بين الإنسان والدين، ومؤلفاه كاتبان غربيان لا يؤمنان بالإسلام، ولكنهما أثبتا فشل وبطلان كل النظريات الحديثة والقديمة والمعاصرة، في نظرتها إلى الله وإلى الدين وإلى الأخلاق والقيم، وأثبتا أنه لا بد أن يكون التصور الكلي الموحد.
ونحن في غنى -والحمد لله- عن هذا، فنحن نعلم ذلك، لكن لكوننا نوجه الخطاب إلى إخوة لنا في الدين، خدعوا بتلك النظريات وغرتهم وأخذهم بهرجها، وربما كان للتخصص دوره المؤثر، فنخاطبهم بذلك لعلهم يضمون هذا إلى ما يستذكرونه من حقيقة عقيدتهم وإيمانهم -بإذن الله- فتنجلي الحقيقة.
يقول المؤلفان في أول الكتاب ص١٥: 'لكل حضارةٍ من الحضارات تصور كوني للعالم -أي: نظرة يفهم وفقاً لها الكون ويقيم عليها حياته، إذاً: لا بد من تصور أي نظرة كونية يفهم كل شيء ويقيم كل شيء من خلال هذه النظرة- والتصور السائد في حضارة ما، هو الذي يحدد معالمها ويشكل اللُحمة بين عناصر معارفها، ويملي منهجيتها، ويوجه تربيتها، وهذا التصور يشكل إطار الاستزادة من المعرفة، والمقياس الذي تقاس به، وتصورنا للعالم هو من الأهمية بحيث أنا لا ندرك أن لدينا تصوراً ما، إلا حين نواجه تصوراً بديلاً إما بسفرنا إلى حضارة أخرى، وإما باطلاعنا على أخبار العصور الغابرة، وإما حين يكون تصور حضارتنا للعالم في طور التحول، والحضارة الغربية ما برحت منذ عصر النهضة تخضع لسلطان العلم الجريبي، بيد أن النظرة الكونية التي تولدت إبان عصر النهضة تواجه في الوقت الراهن تحدياً من علم القرن العشرين' عصر النهضة -الذي تحدثنا عنه- يمكن أن يكون القرن الثالث عشر، أو الرابع أو الخامس عشر، على تفاوت في التقدير والمقصود هو عصر الاحتكاك بالحضارة الإسلامية في الأندلس، وإيطاليا، وجنوب أوروبا عموماً، وبداية تسلم للقيادة العلمية، وبداية بواعث الانبعاث في الغرب إذاً: هم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يقولون: إنها تواجه تحدياً من العقيدة، أو من الإيمان الحق، لا، ولكن من علم القرن العشرين تبطل كل تلك النظريات، ويقول: 'الأمر الذي يفضي إلى وجود نظريتين علميتين متنافستين' وعلى حد تعبير أحد مؤرخي الحضارات وهو تومس بري، يقول: 'القضية كلها قضية نظرة ونحن الآن بالذات نواجه مشكلة' وهو يتكلم عن واقع الحضارة الغربية، 'لأنه ليس لدينا نظرة مقبولة، فلا النظرة القديمة تؤدي دورها على الوجه السليم، ولا نحن تعلمنا النظرة الجديدة' سبحان الله! هذا ما يعترفان به! إذاً هم لا يزالون يعيشون في تخبط وفي ظلمات نتيجة هذا السيل المتدفق من النظريات الحديثة، أو نظريات عصر النهضة، كما تسمى.