ماذا وراء هذا الوجود؟ ولماذا خلقنا؟ ومن أين جئنا؟ وإلى أين نذهب؟ كل هذه أسئلة تراود كل إنسان من حيث هو إنسان لا من حيث كونه متحضراً، أو متعلماً أو مؤمناً أو كافراً، فلا علاقة لهذه الصفات كلها، فكل إنسان بما أنه إنسان؛ فإنه تراوده هذه الأسئلة دائماً في أي زمن عاش فيه، سواء في الأزمان السحيقة الغابرة، أم في هذا القرن، أم في قرون قادمة، أم في أي بيئة أو زمان؛ فلا بد من أن يلح هذا السؤال على الإنسان، من أين جئت؟ وما هدفي في هذه الحياة؟ وإلى أين أذهب؟ وهذه فطرة أودعها الله تبارك وتعالى في قلوب جميع العباد.
إلا الحيوان؛ فهو المخلوق الذي لا يفكر إلا في اللحظة التي هو فيها، مهما كان ذكياً فهو يفكر في اللحظة التي هو فيها فقط، كيف يأكل العشب في هذه اللحظة، ولذلك ليس للحيوان تأريخ، لا في الحيوان كفرد، ولا في القطيع كنوع؛ لأنه لا يفكر في تأريخه، ولا يفكر في ماضيه، وأيضاً لا يفكر في مستقبله وإلى أين سيذهب؟ وما هي نهايته؟ وما هي نهاية هذا الجنس أو هذا النوع؟ فهو لا يفكر في شيءٍ من ذلك؛ وإنما يفكر في اللحظة التي هو فيها -إن سمينا عمله تفكيراً- وينتهي الأمر عند هذه الحدود.
ولكن الإنسان ميزه الله تبارك وتعالى عن الحيوان بميزات عظيمة جداً، قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}[الإسراء:٧٠] وقال أيضاً: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين:٤] أي تكريم عظيم بخصائص عضوية خلقية وتكوينية، وخصائص عقلية روحية، وكل أنواع الخصائص التي ميز الله تبارك وتعالى بها الإنسان.
فمن ذلك أنه يفكر هذا التفكير، ويسأل نفسه هذا السؤال؛ ولكن الاهتداء إلى الجواب الصحيح ليس من شأن كل إنسان، إنما هو فضل من الله تبارك وتعالى يؤتيه من يشاء.