للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المآخذ على نظام الشركات]

أصل الخلط الذي وقع، هو كون النظام ينص على: ' إننا لا نخالف الشريعة، وإن النظام لم يحل حراماً ولم يحرم حلالاً' فهذا غير صحيح، وسنبين كيف أنه خالفه ولم يلتزم به، بعد أن نبين الجوانب الأخرى من المآخذ على هذا النظام؛ وبعد أن عرفنا المأخذ الأول وهو أنه مستمد من القوانين الوضعية لا من الشريعة.

المأخذ الثاني: أن واضع نظام الشركات ليس العلماء، وليس لجنة شرعية، وإنما هي لجنة من القانونيين، إذاً استمداده ليس من الشريعة، وواضعه ليس من المتخصصين في علوم الشريعة.

المأخذ الثالث -وهو خطير ومهم جداً-: أن التحاكم إلى أحكام الشركات، والرد عند التنازع في أمور الشركات ليس إلى المحاكم الشرعية، وإنما إلى هيئةٍ قانونيةٍ خاصة كانت تسمى المحكمة التجارية، ثم غيرت عدة مرات وبعدة أسماء: هيئة حسم المنازعات التجارية، أو هيئة فض المنازعات التجارية، ثم خصصت لها هيئة باسم هيئة حسم المنازعات في الشركات، وتغيرت مراراً عديدة في تشكيلها وفي أعمالها.

ونقتصر على نص واحد من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعرض فيه لنقد نظام الغرفة التجارية والمحكمة التجارية وهو موجود في (صـ٢٥١) من الجزء الثاني عشر من الفتاوى كما أشرنا.

يقول الشيخ رحمه الله: 'وقد انتهى إلينا نسخة عنوانها: نظام المحكمة التجارية بـ المملكة العربية السعودية المطبوع بمطبعة الحكومة بـ مكة عام (١٣٦٩هـ) للمرة الثانية، ودرسنا قريباً من نصفها - (من) هذه من كلامي ليستقيم اللفظ- فوجدنا ما فيها نظماً وضعية قانونية لا شرعية، فتحققنا بذلك أنه: حيث كانت تلك الغرفة هي المرجع عند النزاع فإنه سيكون فيها محكمة، وسيكون الحكام فيها غير شرعيين بل نظاميون قانونيون، ولا ريب أن هذه مصادمة لما بعث الله به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من الشرع الذي هو وحده المتعين للحكم به بين الناس، والمستضاء منه عقائدهم وعبادتهم ومعرفة حلالهم من حرامهم، وفصل النزاع عندما يحصل التنازع، واعتبار شيء من القوانين بالحكم بها ولو في أقل القليل - لاحظوا عبارة الشيخ - لا شك أنه عدم رضاً بحكم الله ورسوله، ونسبة حكم الله ورسوله إلى النقص وعدم القيام بالكفاية في حل النزاع، وإيصال الحقوق إلى أربابها' وانظروا كيف نُسب ذلك النظام حكم الله إلى عدم الكفاية! يقول نظام الشركات في المقدمة: 'والواقع أن كافة أنواع الشركات التي تضمنها المشروع على تباين أشكالها وأحكامها لا تختلف عن الشركات التي كانت معروفةً في الماضي وقال: أما علة الاختلاف فترجع بأساسها إلى اتساع دائرة المعاملات عما كانت عليه في الماضي مع تنوع صورها وأشكالها على نحو لم يكن معروفاً أو متوقعاً'.

وهذا لا يجوز أن يقال عن الشريعة؛ لأنه لا يمكن أن يقع أي شيء إلا وله حكمه في دين الله، والواقع شاهد على ذلك.

أرجعوا الأمور إلى المحاكم الشرعية؛ تجدوا أنها تحكم -بإذن الله- في كل شيء أرجعوا وضع هذه الأنظمة إلى هيئات شرعية من العلماء؛ تجدوا أنهم يضعون لكم كل شيء مما يصلح حال هذه المشاكل وغيرها.

يقول الشيخ: 'وهذا فيه نسبة حكم الله ورسوله إلى النقص وعدم الكفاية في حل النزاع وإيصال الحقوق إلى أربابها، وحكم القوانين إلى الكمال وكفاية الناس في حل مشاكلهم -وكأن القوانين أكمل في حل المشاكل- واعتقاد هذا' أي ومن يعتقد أن القوانين تحل المشاكل، والشريعة لا تحلها، وليس فيها الكفاية في ذلك، قال الشيخ: 'واعتقاد هذا كفرٌ ناقلٌ عن الملة -فانظروا خطر ما يقع فيه بعض الناس أو يقوله، شعر به أو لم يشعر ثم يقول: والأمرٌ كبير مهم وليس من الأمور الاجتهادية -أي أن بعض الناس يقول هذه أمور ومشاكل تجارية اجتهادية ولا مانع من ذلك.

فيقول الشيخ:- والأمرٌ كبير مهم وليس من الأمور الاجتهادية؛ وتحكيم الشرع وحده دون كل ما سواه؛ شقيق عبادة الله وحده دون ما سواه' أي أنهما شقيقان أن يعبد الله وحده وأن يحكم شرع الله وحده.

قال: 'إذ مضمون الشهادتين أن يكون الله هو المعبود وحده لا شريك له، وأن يكون رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو المتبع، المحكم ما جاء به فقط، وما جردت سيوف الجهاد إلا من أجل ذلك، والقيام به فعلاً وتركاً وتحكيماً عند النزاع، قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:٥٩] ' إلى آخر كلامه -رحمه الله- ورضي عنه وأرضاه.

وهذه هي المآخذ المهمة أصله واستمداده ثم واضعه ثم جهة التحاكم فيه وكلها كما قد رأيتم مرجعها ومآلها إلى غير شرع الله هذا من حيث الجملة.