فيا شباب الإسلام! أَعدوا للأمر عدته، وأول هذه العدة الضراعة إلى الله قال تعالى:{فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}[يونس:٩٨] أي: أن قوم يونس خرجوا لما رأوا عذاب الله، قال بعض المفسرين:" خرجوا بنسائهم وأطفالهم ودوابهم وتضرعوا إلى الله" وقيل: إنهم بكوا أربعين ليلة حتى كشف الله عنهم العذاب والله سبحانه يقول: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}[المؤمنون:٧٦]، فلما استكانوا وتضرعوا كشف الله عنهم العذاب، وفي هذه الآية يقول الحسن البصري لما جاءه القراء، وقالوا له: لماذا يا أبا سعيد لا نخرج على الحجاج ونقاتله-مع ابن الأشعث ممن خرجوا وهو من العلماء- فقال لهم: يا أهل العراق، يا علماء العراق.
إن الحجاج عذاب الله سلطه عليكم بذنوبكم فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم وأرجلكم ولكن ادفعوه بالاستكانة والتضرع؛ فإن الله تعالى يقول:{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}[المؤمنون:٧٦] وكذلك فإن هذا الحاكم المجرم في العراق ما هو إلا بذنوبنا ومخالفاتنا لكتاب ربنا، وسنة نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشريعته وسياسة الخلفاء الراشدين؛ فهذه هي نتيجتها، وهي عقوبة الله لنا، ونحن الذين بأيدينا دفعنا ثمنها.
فنسأل الله عز وجل توبة وإنابة وتضرعاً يدفع به عنا هذا العذاب، فهو القادر على كل شيء، ونسأله عز وجل أن يبعث عليهم -الشرقيين والغربيين والبعثيين والصليبيين- عذاباً من عنده، وأن يقيظ لهم أمةً مؤمنةً مجاهدةً تشفي قلوب المؤمنين فيهم إنه على كل شيء قدير، وأحب أن أقف عند هذا الحد لأفسح المجال لأسألتكم.
أيها الإخوة الكرام: كل ما قلته هو رأي أخ أحبَّكم في الله تعالى، وأحبَّ أن يُبرئ نفسه، لعله يصل إلى آذان صاغية -إن شاء الله- ولعله يكون منه حل وفرج قريب، وأوصيكم ونفسي بأن تلجأوا إلى الله تعالى دعاةً وأفرادًا، وأن يدعو كل منكم الآخر، فإنه كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم} - فينفع الله به، أُوصيكم ألاَّ تنسوا دعاء الله عز وجل والضراعة إليه في جوف الليل، فمن قام فليقدر المصيبة التي وقعت فيها الأمة، وليعلم أن الدعاء واجب ولا أعني بذلك القنوت فقط، بل كل منا -وحده مع الله- يتوب ويستغفر ويلوذ إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ويلح بالدعاء، فإن الله قدير على أن يبصر هذه الأمة ويفتح لها باب كل خير، وأن يبرم لها أمر رشد يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته، ويأمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.