إني أعد نفسي منافقاً حيث إني في الظاهر أمام الناس طيب وملتزم, ولكني إذا خلوت بنفسي ارتكبت المعاصي، ولا أستطيع أن أتركها إذا تذكرتها، ماذا أفعل هل أخبر الناس أنني أرتكب المعاصي؟
الجواب
نسأل الله أن يعفو عنا جميعاً، ومن منا ليس كذلك يا أخي، إذا كان بعض الصحابة يقول:[[لو تعلمون ما أُغْلِق عليه بابي ما تكالبتم وتجمعتم هكذا]] وهو من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو لا يقصد بذلك أنه ينتهك المحرمات، ولكن المقصود -كما في حديث حنظلة - أن حالهم مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير حالهم مع الخلوة، ونحن كذلك ليس حالنا في بيوت الله وفي حلقات الذكر ومع الإخوة الطيبين، كحالنا في حالة الضعف والخلوة وغلبة الشيطان، ولكن هل يعني ذلك أننا لا بد أن نكون بين حالتين، إما أن نكون على حال واحدة كما تخيل حنظلة، فيكون حالنا على وتيرة واحدة من ازدياد الإيمان ونتخيل أن الإيمان يبقى على حالة واحدة لا يقل ولا يضعف ولا يفتر, لا في حالة الوحدة والانفراد, ولا في حالة الاجتماع, ولا في حال إقبال النفس وتشوفها إلى الطاعة, ولا في حال جرمها وعنادها وإما أن نتصور النفاق والسقوط الذي قد يدفع إلى القنوط -والعياذ بالله- فعند ذلك يقول: الأفضل أن أترك هذه الأعمال الظاهرة, بل أقول للناس: أنا وإن صليت فإني أفعل كذا، ولو اتقيت ظاهراً فإني أفعل كذا، ليس الأمر هكذا، إما هذه وإما تلك، بل نحرص على أن نستديم هذه الحالة ما أمكن، فإذا ضعفت, فاعلم أن النفس طبيعتها الضعف، وطبيعة الإنسان هي الظلم والجهل، والله تبارك وتعالى يريد منك أن تقاوم هذا الظلم وهذا الجهل لتقوِّم النفس وتزكيها.
ولهذا قال بعض السلف: جاهدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت، أي: قبل الأربعين كان يظن أنها لم تستقم بعد، ومع أنه كان في مثل هذه الحالة لكنه لم يقنط بل جاهدها، ولما سمع بهذه المقولة آخر: قال أو قد استقامت!! تعجب من أنها قد استقامت، لأنه يقول: نحن سنموت وما زلنا نجاهدها ولما تستقم، وهكذا كان حالهم رضي الله عنه، ولهذا يجب أن نبعد القنوط عنا وأن لا نُحدِّث الناس بذنوبنا, بل نحمد الله تبارك وتعالى أن ستر عنا ذنوبنا التي لا يعلمون.
وأيضاً يجب علينا أن نجاهد أنفسنا وأن نحارب هذا النفاق والرياء، وهذا الخلل والتقصير ما استطعنا, فالحال حال مجاهد لا يضع سلاحه ولا يجد راحة, كما قال الإمام أحمد رحمه الله: 'لا يجد المؤمن راحة دون لقاء ربه' فلا تجد راحة إلا إذا لقيت الله -تبارك وتعالى-, ولا تطمئن إلا إذا وضعت قدميك كلتيهما في الجنة، وهكذا نحن في دار ابتلاء فلا بد أن نصبر على ذلك وأن نجاهد ونصبر ونصابر، ولا نيأس ولا نقنط, فما دمت على هذه الحالة يا أخي, فأنت كما قال الحسن البصري رحمه الله عن النفاق: ' ما أمنه إلا منافق، وما خافه إلا مؤمن '، لأن المنافق يرى ذنبه كذباب وقع على أنفه ففعل به هكذا فذهب، فلا يبالي بذنبه، أما المؤمن فيرى ذنبه كالجبل العظيم يوشك أن يقع فيخاف منه.
فما دمت تخاف من النفاق -والحمد لله- وتستشعر هذه الحالة؛ فلا يدفع بك الشيطان إلى القنوط, ويقول: أخبر الناس وحدثهم بما خفي من أعمالك التي تخالف ظاهرك، بل احرص على أن تصلح باطنك، ونسأل الله أن يصلح سرائرنا وظواهرنا وأن يثبتنا على الحق إنه سميع مجيب.