[قاعدة في التغير]
إن القاعدة التي يجب أن نضعها في الاعتبار، مهما تغيرت الأمصار والأعصار، أن الله تبارك وتعالى يقول: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:٣٦].
فالإنسان مهما تغيَّر الزمن، فله هذه العين، وله هذا السمع، والتفكير.
انظروا! هل تتغير هذه مهما تغيرت الأزمان؟ لا تتغير أبدًا، فهذه أعضاء ومنافع جعلها الله تبارك وتعالى لك، وهذه الأعضاء -السمع والبصر وأيضًا الحواس الخارجية- بالنسبة للقلب هي مثل الموارد التي تصب جميعًا في حوض واحد.
أرأيتم إذا كان حوض أو بركة يصب فيها هذا المجرى النظيف؛ فكيف تكون نظافة هذه البركة؟! فكذلك تكون نظافة القلب؛ لكن إذا نظر الإنسان إلى الحرام أيًا كان هذا النظر -في صورة حقيقية أو مصورة أو قراءة أو أيًا كان هذا الحرام- وكذلك إذا سمع الحرام بأي نوع من أنواع السماع من الأغاني أو الملاهي أو النميمة أو قول الزور أو غيره، أو نطق بذلك، أو بأية حاسة من الحواس الأخرى -مهما تغيرت وسائل الإعلام والإحساس- فإن ذلك يكون مثل أن يكون أحد هذه المجاري التي تصب في القلب هي من الماء النجس أو القذارة! أين تجتمع هذه القذارات؟ تجتمع في هذا القلب.
أفيكون هذا القلب حينئذٍ أهلاً لطاعة الله؟! أيكون ذلك القلب مرتبطًا بالله؟! أيكون ذلك القلب خاشعًا لله، وهذه المنافذ تصب فيه؟! لا والله! فهذه مع الدوام ومع الاستمرار، لا تبقي في القلب أي جزء وأي قدر من النظافة، فإذا طمس وطبع عليه، لا تنفعه موعظة، ولا ينتصح بنصيحة.
فإذًا: إذا راقب الإنسان هذه الأعضاء، وحفظ الرأس وما وعوى، والبطن وما حوى، وعَلِمَ أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سائله عن هذه الأعضاء عضوًا عضواً، وسائله عما عمل، وسوف يستنطق الله تبارك وتعالى عليه جوارحه، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [فصلت:١٩ - ٢٣]، نعوذ بالله من الخسارة! فهذه الخسارة الكبرى.
فهل تغير الأزمان وتغير وسائل اللهو أو الفساد أو وسائل الحياة أيًا كانت، أي: أن جلدك تغير؟ أو أن يدك تغيرت؟ لا! لم يتغير جلدك ولا عينك ولا سمعك ولا بصرك، من حيث إنها وظائف جعلها الله تبارك وتعالى أعضاء لوظائف أساسية تستخدمها.
فإن استخدمتها في الطاعة مع أية وسيلة من هذه الوسائل، كانت شاهدة لك يوم القيامة، ولم تشهد عليك، وإن استخدمتها في المعصية أيًا كانت الوسيلة الذي استخدمتها، سواء نظرت في منظر بدائي أو نظرت في منظر مما يسمى بالمناظر المتقدمة، ولا تقدم في الشر، وإنما الانحطاط والسفور أيًا كان.
فالعضو عضو، والشهادة يوم القيامة قائمة، وسوف تنطق هذه الأعضاء، وسوف تشهد، فمن كان ظنه بربه أنه لا يطّلع عليه، ولا يعلم خافيته -عياذًا بالله- فهذه نتيجته الخسارة الكبرى، ستشهد عليه هذه الأعضاء بما ينطقها الله تبارك وتعالى به.
ومن كان ظنه بربه أنه مُطّلع عليه، وأنه رقيب وحفيظ، فعليه أن يتوب إلى الله وأن يستغفر الله تبارك وتعالى، وأن يراجع نفسه، ابتداءً من إصلاح قلبه وإيمانه وتوحيده وإخلاصه ويقينه، ثم المحافظة على أوامر الله تبارك وتعالى، وأعظمها هذه الصلوات الخمس أداءً وجماعةً في المساجد، ثم المحافظة على هذه الأعضاء التي سوف يُسأل عنها يوم القيامة، فلا يجول فكره إلا في حلال أو فيما أمر الله، ولا يمد عينه إلا إلى ما أحل الله تبارك وتعالى، ولا يبطش بيده أو برجله إلا إلى ما أحل الله تبارك وتعالى، ولا يقارب سمعه إلا ما أحل الله تبارك وتعالى؛ فحينئذٍ تكون له الصفحات البيضاء، وتكون له يوم القيامة النجاة، ويكون له الفوز.
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُعمَّر أوقاتنا جميعًا بطاعته وما يرضيه، وجزاكم الله خيراً والحمد لله رب العالمين.