المصيب العادل عليه أن يصبر على الفتنة، إذا كنت أنت المصيب العادل وغيرك الظالم الباغي المخطئ فاصبر ولا ترد عليه، حتى لو ألف ضدك الكتب، حتى لو قال فيك ما قال، لا ترد أنت، لأنه إذا أخطأ وعصى الله فيك فأطع الله فيه، كما قال بعض السلف: ما رأيت أن أعامل أحداً عصى الله فيّ بمثل أن أطيع الله فيه -عصى الله فيك وأنت تطيع الله فيه، تعفو وتصفح وتصبر وتتحمل.
يقول -رحمه الله-: "وسوف يصبر على جهل الجهول وظلمه إن كان غير متأول، وأما إن كان ذلك أيضاً متأولاً فخطأه مغفور له' أي حتى الذي يبدأ بالعدوان والسب والشتم والتعيير والتبديع قد يكون بعضهم يريد الدفاع عن السنة وعن العقيدة، فهذا له أجر الاجتهاد على هذا الاجتهاد السائغ، وإن كان عمله خطأ.
وفي المقابل أنت عليك الصبر، يقول: 'وهو فيما يصيب به من أذىً بقوله أو فعله له أجر على اجتهاده، وخطؤه مغفور له، وذلك محنة وابتلاء في حق ذلك المظلوم، فإذا صبر على ذلك' أي: المظلوم والمفترى عليه إذا صبر على ذلك واتقى: 'كانت له العاقبة -ولا بد أن يظهر الحق- كما قال تعالى:{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً}[آل عمران:١٢٠] '.
وكم افتري على شَيْخِ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله، وقالوا: إنه عدو الله والسنة والإجماع، ولو قرأتم في أول التسعينية وغيرها لرأيتم كيف جعلوه خارجاً عن إجماع الأمة، وهذا لأنه -بظنهم- لم يوافقه على كلامه أحد لا في القديم ولا في الجديد، فجعلوه خارجاً عن إجماع الأمة في الأمور التي يعلم الناس الآن أنها حق.
واسألوا العامة بل واسألوا العلماء من هم الذين ردوا على ابن تيمية، من الذين أغروا به فسجن ومات في السجن رحمه الله؟! ومن الذين اتهموه، وآذوه؟! من هم وما أسماؤهم؟! دعك من كتبهم قد لا يكون لها وجود في الدنيا، بعضهم لا وجود لاسمه فضلاً عن كتبه، كثير منهم لا يعرف؛ لكن من الذي يجهل ابن تيمية رحمه الله؟! سبحان الله! دائماً العاقبة للتقوى، ولا يظهر الله إلا الحق، أما الزبد فيذهب جفاءً ولو استمر ما استمر.
فهذا يوجب من المبتلى ومن المؤذى والمفترى عليه أن يصبر، ويتوقع أن العاقبة له، وهذا حاصل في القديم والحديث.
وتذكرون شيخاً عالماً فاضلاً -ولا حرج أن نسميه- وهو شيخنا جميعاً الشيخ محمد بن صالح العثيمين -حفظه الله- عندما قال قولاً في مسألة المعية، وافترى عليه من افترى، وقالوا: خرج عن أهل السنة وصار حلولياً -حاشاه من ذلك حفظه الله- وتعجبت من ذلك وقلت: سبحان الله! المسألة لا تحتاج إلى هذا القول كله، ولكن الشيخ آذوه وتحمل الأذى الشديد وصبر على هذا، وفي النهاية الآن لا يوجد أحد إلا ويعلم أن الشيخ -حفظه الله- على الحق وعلمه منتشر في الأمة، وأولئك من كان منهم له اجتهاد سائغ فله أجر الاجتهاد ولكنه لم يصب، ومن كان عادياً ظالماً باغياً فهو قد أفضى إلى ما قدم والله تعالى حسيبه حياً أو ميتاً.
الشاهد أن هذه سنة الله في العلماء والدعاة أن يبتلوا، ويفترى عليهم، ويتهموا، وأن يقال عنهم: أعداء للعقيدة والسنة، فالواجب في هذه الحالة هو الصبر والاحتساب، وفي النهاية يحق الله الحق ويبقى ما ينفع الناس ويمكث في الأرض بإذن الله تبارك وتعالى.