[الحقوق الواجبة علينا]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا إنك أنت العليم الحكيم.
إن الموضوع الذي نريد أن نتذاكر وإياكم حوله ما هو عليكم بجديد، وإن كان الناس في هذا الزمان قلَّ أن يتحدثوا عن الواجبات ولا سيما عما يجب عليهم هم.
فكما ترون الواقع اليوم: أكثر الناس إلا من رحم الله من أهل العدل -وقليل ما هم- هم الذين يتكلمون عما يجب عليهم، وعما يجب لهم، فإنما يتكلمون عما يجب لهم فقط ولا يتحدثون ولا يبحثون ولا يفكرون فيما يجب عليهم نحو أصحاب الحقوق الأخرى.
فمثلا: نجد أن الرجل أو الزوج كثيراً ما يتحدث عن حقوقه على الزوجة، ونجد الزوجة كثيراً ما تتحدث عن حقها على الزوج، ولكن قل من الرجال من يتحدث بإنصاف عن حق المرأة على الرجل، وكذلك قلَّ من النساء من يتحدثن بإنصاف عن حق الرجل أو الزوج على المرأة.
كما نجد أن الآباء أكثر ما يتحدثون عن حق الآباء على الأبناء، وقلَّ من الآباء من يتكلم عن حقوق الأبناء على الآباء.
ولو نظرنا إلى ما هو أكبر من ذلك، فإنا نجد أن الحكام أكثر ما يتحدثون أو يتكلمون عن حق الحاكم على المحكومين، ولكن يندر أن تجد من الحكام من يتكلم عن حق المحكومين على الحاكم.
وكذلك إذا نظرت إلى الرعية، فإنك أكثر ما تجد الناس يتكلمون دائماً عن حقهم على الحكام، ولكن هل تكلموا عن حق الحكام عليهم هذا قليل.
وهكذا حال الناس إلا من رحم الله تبارك وتعالى، وذلك لما ركب في طبع الإنسان وخلقته من الظلم والجهل الذي لا يعصمه منه، إلا أن يستمسك بهدى الله -تبارك وتعالى- كما قال عز وجل: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:٧٢].
ولذلك يجب على الإنسان المؤمن أن يعيد الأمر إلى نصابه، وأن يكون قواماً بالعدل قواماً بالقسط.
وإن تحدث فليكن أكثر ما يتحدث فيه عما يجب عليه؛ لأن الذي لك إن لم تأخذه في الدنيا فسوف تأخذه في الآخرة، لكن الذي يجب عليك، سوف تسأل عنه في الدنيا وفي الآخرة.