[والحق ما شهدت به الأعداء]
في إحدى المؤتمرات التي عقدت في ألمانيا كان الموضوع عن الإسلام والمرأة، وقام عدد من المستشرقين وأثاروا أن المرأة المسلمة -المرأة الشرقية- مظلومة ومهدرة، وكذا وكذا، وأخذوا يتكلمون وقالوا: إن تعدد الزوجات هو خطر من الأخطار، وهو من أكبر المظالم التي تهدد المرأة في الشرق، ويجب أن يرفع عنها هذا الحيف وهذا الجور.
فقام أحد الدعاة أو أحد المشاركين في المؤتمر -وأظنه الدكتور أحمد الشرباطي - ليرد على هذه الفرية، فقامت امرأة ألمانية تشغل منصباً كبيراً في بلدها وقاطعته قائلة: أنا سأتكلم.
فقال: لا، أنا أرد على هذه التهمة، ثم ستتكلمين بما تشائين؛ لأنه كان يظن أن المرأة سوف تؤيد هذه الشبهة، فقالت: لا، أنا سأدافع وسأرد بدلاً عنك، وقامت وقالت: أنتم يا من تقولون: إن المرأة الشرقية إذا كانت المرأة الرابعة فإنها شقية محرومة مظلومة، أنا أريد أن أكون المرأة الرابعة والثلاثين -هكذا قالت- بشرط أن أجد رجلاً يحميني من اللصوص في الليل فقط!! يحميها من اللصوص في الليل؛ لأنها لا تأمن ولا تطمئن، أين أبوها؟ لا تدري عنه، أين أمها؟ لا تدري، أين أخوها؟ لا تدري، هي تكدح وتعمل وتستأجر المنزل، وربما إذا تزوجت هي التي تدفع المهر، ثم يتركها إلى عشيقة أخرى هذه حال الدول التي تسمى متقدمة! تتمنى أن تكون الرابعة والثلاثين، ولكن ماذا يقول بعض سفهاء الصحافة في بعض البلدان الإسلامية؟ يتكلمون عن تعدد الزوجات وكأنه أكبر خطر وأكبر ظلم يهدد الأمة الإسلامية بالزوال سبحان الله! والدليل على ذلك: أنهم يجعلون موضوع المرأة موضوعاً اجتماعياً بحتاً، مسألة اجتماعية لا علاقة لها بالحلال ولا بالحرام؛ ولهذا يجرون الاستفتاءات والاستبيانات -كما يسمونها- كما يشاءون، مع شاب وشابة، ومعلم ومعلمة، يختارون من يشاءون ويقولون: ما رأيكم في عمل المرأة؟ ما رأيكم في خروجها من البيت؟ ما رأيكم في إعطائها حقوقها؟ ثم ما رأيكم في تعدد الزوجات؟ ويأخذون رأي الجميع ويلخصون، هم الخصم والحكم، وفي النهاية يقولون: الآراء اجتمعت واتفقت على أن المرأة لابد أن تعمل، ولابد أن تخرج من البيت، وأن تعدد الزوجات يهدد الأسر، ويؤدي إلى التناحر وإلى التفكك، وإلى سوء التربية، وإلى كذا وإلى كذا.
هؤلاء الذين يعترضون على حكم الله، الذين يجعلون شرع الله وما أنزله الله سبحانه وتعالى في كتابه، وما أنزله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في شأن المرأة وغيرها، وما درجت عليه الأمة الإسلامية خلال أربعة عشر قرناً، يجعلونه كله باطلاً ولغواً، ويأخذون آراء الناس أصحاب الأهواء في هذه الأمور، وكأننا أمة ضائعة لا شرع لها ولا كتاب ولا سنة ولا ميزان ولا معيار! الله سبحانه وتعالى يقول: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥].
انظروا كيف جاءت هذه الآية وشملت مراتب الدين الثلاثة: التحكيم في مقام الإسلام، ونفي الحرج في مقام الإيمان، والتسليم المطلق في مقام الإحسان.
لابد، هذا هو حالنا {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [النور:٥١] لابد أن يكون هذا منهجنا.
أما إذا كان ديننا وعرضنا، أما إذا كانت حياتنا الاجتماعية أو غيرها مسخرة للآراء والأهواء: ما رأي فلان، وما رأي علان؟ وماذا تقول فلانة؟ وماذا كتب فلان؟ إذا فعلنا ذلك فإن هذا هو بعينه اتباع الأهواء اتباع أهواء الذين لا يعلمون اتباع حكم الجاهلية {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:٥٠] كل ما خالف أمر الله فهو جاهلية كل حكم أو هوىً أو منهج أو رأي خالف أمر الله وناقضه وحاده فهو جاهلية؛ ولهذا تجدون الجاهلية اليوم في الغرب والشرق تستشري وتنتشر؛ لأنها تمشي على غير منهج الله سبحانه وتعالى، وعلى غير ما شرع الله، وقد جنت بأنفسها عاقبة تلك المعصية، وذلك الخروج عن أمر الله تبارك وتعالى.
فما علينا من الأمم التي لا تملك منهج الله؟ وما علينا من الشعوب التي ذاقت مرارة الاحتلال بجميع أنواعه؟ إن الأمة الإسلامية يهمنا أمرها كلها، لكن يا إخوان! قلعة التوحيد هذه الخط الأخير الذي يقف فيه المسلمون لمحاربة أعداء الله سبحانه وتعالى، البلد الذي يجب أن يظل طاهراً من كل رجس: من شرك أو بدعة أو ضلالة أو انحراف، يجب أن يبقى كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان) يجب أن نبقى على منهج واحد، لا يجتمع لنا منهجان، لا في التعليم، ولا في المرأة، ولا في الاقتصاد ولا في أي مجال، وإنما هو منهج الله وشرع الله، واتباع أمر الله.
ونحن نحمد الله سبحانه وتعالى على أننا نستطيع أن نقوم وأن ندعو إلى هذا المنهج، وأن نبين للفتيات وللشباب، وأن نبصرهم بالحقيقة، فهذا واجب، هذه فرصة عظيمة يجب أن نستغلها، ويجب أن ندعو إليها، ويجب أن تبقى هذه قاعدةً ومنطلقاً للدعوة إلى تحرير الإنسان المسلم في كل مكان من العبودية، ومن التبعية إلى غير منهج الله وإلى غير شرع الله تبارك وتعالى، وأهم من ذلك المرأة المسلمة، المرأة المسلمة المخدوعة في كل مكان.
يجب أن ترى الفتاة المسلمة في هذه البلاد القدوة الصادقة، والنموذج الصحيح للمرأة المسلمة التي تتمسك بدينها في هذا العصر رغم الانحرافات، ورغم زيف المدنية، ورغم بهرج الحضارة، فإنها تتمسك بدينها، وتعطي القدوة لغيرها، وإلا فإن الخسارة الكبرى، الخسارة كل الخسارة أن تخدع المرأة المسلمة في هذه البلاد كما خدع غيرها:
وما يصلح الملح إذا الملح فسد
والرجل المسلم هو الذي يجب أن يحمل لواء التوحيد، ولواء السنة، ولواء الدعوة إلى منهج الله وإلى شريعة الله تبارك وتعالى، وينشر ذلك في كل مكان، فنحن محط أنظار العالم الإسلامي، والفتاة المسلمة هي محط أنظار البنات المسلمات في كل مكان، فيجب علينا أن نقدر المسئولية حق قدرها، وأن نعي واجبنا، وأن نؤدي ما يجب علينا أن نؤديه كما شرع الله تبارك وتعالى من الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وإقامة الحجة، وإعلان الحق، وإرشاد التائه والغاوي من شاب أو شابة، ومحاربة المنكرات والفساد بأقل ما نستطيع إذا لم نفعل الكثير، وأقل ذلك ألا نشتريها، ولا نسهم فيها، ولا ندعو إليها، هذا أقل ما ينبغي وأقل ما يجب على المرأة المسلمة وعلى الشاب المسلم، كل ما يدعو إلى الفساد من أفلام ومجلات وكتب ودواوين وقصص فإنه يجب أن نبدأ الطريق بمقاطعة ذلك كله، ثم نتعلم العلم الصحيح، ثم ندعو الذين وقعوا في شباك هذه المؤامرة.
أكتفي بهذا للإجابة عن الأسئلة، بقدر ما يسمح لنا الوقت، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما نسمع وما نقول، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين.