إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن الله تبارك وتعالى أرسل محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذا العالم الذي كان يموج بالجهالات، والضلالات، والفتن، والبدع، والخرافات، والظلم، واستعباد البشر، والطغيان الذي بلغ ذروته عند بعثته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسل محمداً بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أرسله الله ليقول للعالم: إن هذا الدين جاء لينسخ ما قبله، وأنه للناس كافة، كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:١٠٧]، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً}[سبأ:٢٨].
وليقول لهم: إن الظلم والبغي والعدوان والطغيان وعبودية البشر من الأباطرة والملوك والأحبار والرهبان فكل ذلك قد انقضى زمانه، وولَّى على عقبيه بظهور شمس الهدى والتوحيد، وأعلنها صريحةً للعالم كله، أنه {إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله}.
أرسله الله تبارك وتعالى ليُحرر البشر من الأغلال التي رانت عليهم، ومن الشهوات التي أبعدتهم عن الله، وأنستهم اليوم الآخر، ومن الضلالات والدجل الذي تعوده قطاع الطريق إلى الله، فإذا أرادت الأمم والشعوب أن تهتدي إلى الله جاء قطاع الطريق ليقطعوا عليهم ذلك وليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم، فجاء مُحطِّم الطواغيت صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليعلم الناس -جميعاً- أنه لا كرامة للإنسان إلا بالإسلام، وأنه لا خير ولا حرية ولا فلاح للبشرية إلا بالإسلام، وأن كل دين قبله باطل؛ لأن الله تعالى يقول:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ}[آل عمران:١٩].
بعثه الله في هذه الأرض التي اختارها واصطفاها منذ أن أرسل إبراهيم عليه السلام وأمره ببناء هذا البيت العتيق، لتكون هذه الأرض مهوىً للأفئدة، مهبطاً للخير والحق، ومنبعاً للنور، ومشرقاً له في أنحاء العالم والمعمورة جميعاً.