للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البراءة من المشركين أصل في منهج الدعوة]

وأما قوله تعالى: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨]، فهنا أيضاً قاعدة عظيمة في هذه الآية يجب على كل مؤمن وبالأحرى على كل داعية أن يقف عندها: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨] فالمنهج الصحيح والمنهج النبوي في الدعوة إلى الله من ضرورياته وأصوله، البراءة من المشركين، فالمشركون لسنا منهم في شيء، حتى إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {لا تتراءى نارهما} فلا يرى المؤمن نار المشرك، ولا يرى المشرك نار المؤمن.

فإذا كان هذا في جبل وهذا في جبل، ورأى أحدهما نار الآخر، فعلى المؤمن أن يذهب بناره بعيداً في جبل آخر؛ حتى لا يرى نار المشرك ولا يرى المشرك ناره، (فهذه المجانبة الحسية والمعنوية).

{وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨] أي: في عبادتهم لغير الله، وفي تعظيمهم لغير الله، وفي اتباعهم لغير شرع الله، وفي استهزائهم بدين الله، وفي استهانتهم بأوامر الله.

فلا أقول: إنني أدعو إلى الله؛ ثم أقف في صف أعداء الله! فهذا هو التناقض الذي ليس بعده تناقض؛ ولهذا فكل داعية يداهن المجرمين والملحدين والمشركين فقد أخرج نفسه من صفوف الدعاة الذين يدعون إلى الله على منهج أنبياء الله؛ وليسمِ نفسه بعد ذلك ما شاء.

فالبراءة من المشركين حتى في أحوالهم الظاهرة، أو حتى في لباسهم المختص بهم، أو في مظهرهم المختص بهم، أو حتى في السفر إلى بلادهم، فلا يذهب المسلم إلى بلاد المشركين إلا لضرورة؛ لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا تتراءى نارهما} إلا لضرورة لا يمكن العدول عنها أبداً.

فأهل التوحيد وأهل الشرك صنفان متمايزان وعدوان متحاربان، ولا يمكن أن يلتقيا.

فالدعوة إلى التقريب بين الأديان وإلى الحوار بين الأديان، ليست من الدعوة إلى الله في شيء.

فهؤلاء الذين يدعون إلى التقارب يريدون أن نتقارب مع من؟! مع عبدة الأبقار؟ أم مع عبدة العجل (اليهود)؟ أم مع عبدة عيسى وعبدة الصليب (النصارى)! مع من يكون التقارب؟! إن المنهج الرباني: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨] فهي البراءة الكاملة، التي لا التقاء معها.

فالدعوة إلى الله لا تؤمن بهذه القضية أبداً، بل إن دعوتنا إلى التوحيد، وأعدى عدوٍ لنا هو: الشرك والمشركين.

فالروافض وأصحاب الشرك وأصحاب الأضرحة والقبور من الصوفيين، وكل من خرج عن التوحيد وعبد غير الله، ودعا غير الله، وألحد وأشرك بالله؛ أنحن وإياهم نتقارب ونكون يداً واحدة ونتعاون؟! فعلى ماذا؟! ولماذا؟! وأين المنهج الرباني والنبوي: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨]؟! فلا بد فيه من البراءة من الشرك وأهله كما فعل إبراهيم -عليه السلام- مع أبيه وقومه؛ وإلا فلسنا دعاة إلى الله، ولا يتقارب ويواد المشركين إلا أحد رجلين، إما رجل لا يبالي بمنهج الدعوة إلى الله، سواء اتبع فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو اتبع شيخه أو قائده أو رأياً فكرياً.

وإما: رجل جاهل لا يعرف أعداء الله، ويظن أنه إذا مد اليد لأعداء الله ووالاهم وتقارب معهم أنه لم يأتِ بشيء، ولم يخرج عن الملة القويمة، وينسى أن الله تعالى أمر رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول حال الدعوة إليه: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨] فليتبرأ من الشرك كما تبرأ الخليل عليه السلام، وكما أمر الله نبيه محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:١٢٣] أي: فتبرأ من المشركين ولو لم يتبعك أحد.

فلا مناصفة ولا التقاء في وسط الطريق بين المؤمن الموحد وبين المشرك المعاند، ولا يكون ذلك أبداً.

فالله لما قال لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨] قد بين (في هذه الآية) منهج الدعوة إلى الله، والأصول التي يجب أن تراعى، والأركان التي يجب أن تتحقق، لكي تكون الدعوة حقيقة، ولكي يكون المسلم من بعده صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على منهجه في ذلك.