للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تنمية المواهب والقدرات]

السؤال

لماذا لا يكون هناك محاضن ومراكز تهتم بأصحاب المواهب والقدرات وتنميها كما هو الحال عند الغرب؟

الجواب

أنا أشكر كل الإخوان الذين يتقدمون باقتراحات أو آراء حتى إن بعض الإخوان أحياناً يتقدم باقتراحات ليس لي دخل فيها ولا أستطيعها، فمثلاً: قد يكون هناك اقتراح تعنى به -مثلاً- شؤون الحرمين أو أي إدارة أخرى، فالمهم أن الذي يفكر ويهتم بالإصلاح هذا فيه خير.

ولعل هذا الاقتراح إن شاء الله يصل إلى من يهمه الأمر، فينفع الله به، وإن كان -مثلاً- غير عملي أو لا يمكن فعله فأجر من قدَّمه وأيضاً من قرأه يكتب إن شاء الله، فمثل هذا الأخ اقترح اقتراحاً -جزاه الله خيراً- في تخصيص محاضن تعتني بأصحاب المواهب، ويريد تنمية أصحاب المواهب والقدرات، وكيف أن هناك في الغرب الكافر المتمرد على الله، ويرى تكريمهم لأصحاب القدرات وأصحاب المواهب، ونحن أولى بالتكريم منهم، والحكمة ضالة المسلم فأنَّى وجدها فهو أحق بها، فهو يقترح صورة معينة وقد تكون هناك صور أخرى حول قضية كيف نستفيد من هذه المواهب.

ولا توجد أمة في العالم لديها من المواهب والطاقات العقلية ما لدى هذه الأمة، وإن شئتم أن أضرب مثلاً على ذلك، فلنفرض أننا وهم سواء -ولا أقصد العنصرية- من الناحية الجسدية والتكوينية، فإننا سنتميز عليهم لأننا لسنا مثلهم لأن الخمر والزنا وفقدان الأم والأب تأخذ من عقولهم وأفكارهم كثيراً جداً، فالطفل عندهم ينشأ بلا تربية أسرية سليمة وبلا تربية اجتماعية قويمة، ثم يدمن على الزنا والعياذ بالله، والفسق، والفساد، والمخدرات، والخمور لسنوات من شبابه، وقليل منهم من يسلم من هذا، أو يسلم له عقله.

إن هذا الذي يشتغل بنصف عقل أو بربع عقل وبهذه التربية المنحرفة أنّى يكون أفضل من أمة لديها -والحمد لله- تربية قويمة مهما كان عندنا من خلل، فنحن أفضل منهم من جهة التربية، ومهما كان عندنا في التربية الأسرية من انحرافات أحياناً، فنحن أفضل منهم على أية حال وعلى أية صورة، نحن أفضل من الغرب في الجملة، لا نعني آحاد الناس، ونحن -والحمد لله- نخطط ونفكر بعقل كامل، فكيف يغلبنا هؤلاء.

المشكلة أننا نملك طاقات مهدرة ضائعة فمن ينميها ويربيها ويكتشفها؟! هذه هي المشكلة، فالنابغ مظلوم، وأحياناً نقول بلسان الحال إن لم نقل بلسان المقال: لا نريد النبوغ، فلنأخذ مثالاً صغيراً محدوداً: فمثلاً المدرسة أحياناً يكاد المدرس يقول: لا أريد أن يكون من طلابي من يرد عليَّ ويصحح أخطائي، أنا لا أريد طلاباً نابغين، بحيث إنه يكتشف أخطائي ويلاحظ علي، وكلما كانوا وسطاً أو أغبياء كانوا أحسن لي، والمدير -أيضاً- يريد أن يكون المدرسون كلهم -أيضاً- أغبياء أو وسطاً، حتى لا يكون هناك من هو أفضل منه.

وكذلك -مثلاً- رئيس إدارة أو شركة لا يريد أحداً أن يأتي برأي أفضل من رأيه، فكأننا نقول: لا نريد النبوغ والنابغين! فيأتي أحدهم برأي جديد كتطوير فكرة معينة، فيقال له: هذا كلام فارغ ولا يصلح! ودع كل شيء مثلما هو! إياك أن تطور شيئاً! وإياك أن تُبدع، أو تفكر، أو تقترح، اتركه كما هو، ودع الأمور تسير مثلما هي، مهما كان فيها من الأخطاء! هذه مشكلة ولا يمكن أن تنهض الأمة وهذا حالها، وهذا شأنها، أما لو فتح المجال للإبداع وللفكر، وقيل لصاحب الفكرة نشكرك يا أخي الكريم مثلاً أو يا بني، أو يا تلميذي، أو يا أخي، أو يا زميلي في العمل على الفكرة، لكن -مثلاً- لا نستطيع أن ننفذها لهان الخطب، لكن مع هذا، فينبغي أن تشكره لأنه فكر.

فنحن من ضيق أفقنا، وضيق تفكيرنا أصبحنا نضيق وننفجر بالضحك بمجرد معرفة الاقتراح وأنه لا يوجد بل ولا نريد تغيير، بل ربما يصل الأمر إلى الاتهامات وتركب على الشخص ألف تهمة، فنقول لهؤلاء: إن لم يعجبك الاقتراح -على الأقل- فلا توجد مشكلة، اسمعه وافتح صدرك له ولغيره من الناس، وفكر بعقل غيرك لا بعقل واحد تريد أن تسيِّر عليه كل الإدارة.

ولذلك الغرب الخبيث الكافر المارد، وبالذات أمريكا تفوقت على غيرها لأنها لا يهمها أن يأتي هذا العقل من أي بلد، اذهب إلى مستشفياتهم ومؤسساتهم، تجد الصيني والهندي، والأفريقي، والمصري، والتركي، والياباني، والألماني، وكل جنس تجده في أمريكا في الأمور المهمة الحساسة القوية العميقة، سبحان الله! لم يُنَمِّ المواهب التي عنده فقط، بل يشتري العقل من أي مكان، ويغريه بأعظم الإغراءات، وأي طالب يأخذ الامتياز، ويتخرج بدورة الامتياز، فيحق له أن يأخذ الإقامة الدائمة، ويبقى عندهم لأنه أخذ الامتياز.

ونحن نستغرب من تلك الأمة تريد أن تتفوق، وتحرص على الامتياز، وعندها من أبنائها من يكفي ومع ذلك أعطت المجال لقير أبنائها أيضاً، لأنها تريد أن توظف هذه الخبرات لها في باطلها وفي كفرها وفي كبريائها وفي تسلطها على عباد الله، فنحن أولى بذلك.

فالمهم أنه اقتراح جيد ونشكر كل أخ يحاول أن يقترح ليطور الدعوة، ويحرك التطوير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي النواحي العلمية، وفي المجالات التربوية، وأكثرنا له علاقة بالأمور التربوية إن لم يكن مدرساً فبدعوته، فكل داعية هو مربٍ إلى أن يطور فكره لكي يعمل أفضل.

والحكمة ضالة المؤمن فعسى أن يفتح الله تبارك وتعالى عليك بأمر، وكم من أفكار عظيمة تتبناها مجالس عليا أو قيادية انبثق أصلها من فكرة إنسان عادي جداً طورها ونقحها، ثم قدمها إلى من أضاف إليها أو عدل فيها حتى صار لها قيمة وفائدة.