[الحث على تعلم القدر]
السؤال
يقول السائل: قال بعض السلف: 'رأيت أعلم الناس بالقدر أجهلهم به، وأجهل الناس به أعلمهم به' ما رأي فضيلتكم في هذه العبارة؟ ثم اذكر موقف السلف حول الإيمان بالقضاء والقدر؟ وهل حرص العبد على الادخار لذريته ينافي القدر؟ وهل عرض قضايا القدر تفصيلاً بحضرة العوام يتعارض مع قول الإمام علي: [[حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله]]؟
الجواب
نبدأ أولاً بهذه العبارة 'رأيت أعلم الناس بالقدر أجهلهم به, وأجهل الناس به أعلمهم به' فهذه العبارة ليست عامة، وليس المقصود بهذه العبارة أحكام الخبر المنصوص عليها وما جاء في القدر من آيات وأحاديث وكلام السلف؛ لأن هذا من زيادة العلم الذي يزيد الإنسان يقيناً وإيماناً بهذا الركن العظيم من أركان الإيمان؛ لكن الذي يبحث في الدقائق ويتعمق في أسرار القدر؛ فمهما تعمق فإنه يرجع إلى الأساس الأول، وهذا هو الذي لو جهله لكان خيراً له.
فالقدَر المتعمق فيه هو الذي سلكه أهل الكلام وأمثالهم، وقد وردت عبارة عن السلف مثل هذه تماماً وهي تفسر هذه كما يقول أبو يوسف أو غيره: 'العلم بالكلام هو الجهل، والجهل به هو العلم' وعلم الكلام هو التعمق والتدقيق في أمور غيبية بالعقل المجرد، كالتدقيق في صفات الله وفي القدر وما أشبه ذلك؛ فهذا هو الجهل، لأن الإنسان يتكلف ما لا يمكن أن يصل إليه وما لا يطيقه، وهذا ينتج عنه الضلال والانحراف عافانا الله وإياكم.
أما العلم الذي هو في الكتاب والسنة وكلام الصحابة والأئمة المتعلق بهما -أي الكتاب والسنة- فليس داخلاً في ذلك.
وأما حرص العبد على الادخار لذريته فإنه لا يتنافى مع القدر؛ لأن الجوع قدر وإذا أكلت وشبعت أذهبت الجوع، وهذا أيضاً بقدر؛ ولهذا المؤمن مطالب بأن يدفع القدر بالقدر، فالقدر ينازع بالقدر، وهذه كلها أقدار أو أسباب جعلها الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنا لا أعلم بالمكتوب عند الله؛ وإنما المطلوب مني أن أدفع قدراً بقدر، فأدفع المعصية بالطاعة، وأدفع الغفلة في القلب بذكر الله عز وجل وقراءة القرآن وبتذكر الموت والآخرة، وأدفع الداء بالدواء والعلاج وهكذا، فقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لـ سعد: {إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس} وهذا من الأخذ بالأسباب والقدر، ولا شيء في ذلك.
أما الحرص الذي يجعل الإنسان يمنع حق الله من المال، ويخاف على أولاده، ويقول: كيف يعيشون؟ وكيف يطعمون من بعدي؟! ويجزع ويهلع؛ فهذا هو الذي لا يجوز.
أما أن يدخر شيئاً مما أعطاه الله؛ ليصلح حال أبنائه من بعده؛ فهذا مأمور به ومطلوب شرعاً؛ ولهذا لا يجوز أن يوصي بأكثر من الثلث -كما ثبت ذلك في حديث سعد الصحيح الذي أشرنا إليه-.
أما عرض قضايا القدر في حياة العوام تفصيلاً فليس كل شيء ينبغي أن يعرض أمام العوام تفصيلاً، لكن بالنسبة لطلبة العلم ينبغي أن يتعلموا ما يحتاجون من علمه؛ حتى إذا سأل العوام يجيبونهم.
فمن لديه استعداد للعلم فليتعلم، وإن كان هو يجهل ذلك؛ لأنه ليس كل شخص يولد عالماً.
وأما إذا قلنا: هذا لا يعلم شيئاً فلا نعلمه شيئاً في القدر؛ فسيظل جاهلاً.
لكن ليتعلم شيئاً، ومن عنده استعداد أن يتعلم أكثر من ذلك فليعلّم ذلك، كما في الحديث الصحيح عن عمران بن حصين حين امتحن واختبر أبا الأسود الدؤلي في القدر.
فإذاً: هذا مما يدل على أن من الناس من يُعلَّمون ذلك، ولكن ليس كل واحد يعلَّم.