[دعوة إلى تصحيح المعايير والمفاهيم]
هل يصح أن تكون معاييرنا هي معايير ذلك الإنسان الذي لا يعرف الله واليوم الآخر، أو من العامة الذين لم يتعلموا ما تعلمنا؟ انظروا إلى المعايير التي علَّمها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه، وعلَّمها القرآن للمؤمنين! وانظروا إلى معايير الناس، وانظروا هل معاييرنا نحن كما عليه الناس، أم كما عليه الوحي والدليل؟ فالفائز في أذهان كثير من الناس هو الذي ربح في تجارته، والذي ربح في اللهو واللعب، والذي غنم أي شيء من متاع الدنيا الفانية، فهذا الذي يُسَّمى الفائز، لكن الفائز عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، والفائز في معايير القرآن والسنة هو كما قال تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:٢٠] هذا هو الفائز، والمفلس عند الناس الذي لا درهم عنده ولا متاع، وليس عنده مال، وهذا مفهومهم، لكن عند طلبة العلم في منهج الوحي، المفلس هو الذي أخبر عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعلمون الحديث.
من العالم؟ العالم عند الناس من حفظ وحوى، وتحَّدث وتفلسف، هذا هو العالم عندهم، لكن في ميزان الشرع العالم هو العالم بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وبحق الله، وإن كان غيره أحفظ منه، لكنه يحفظ ويقرأ، ويعلم ويعرف ربه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ويعلم ما خلقه الله لأجله ويقتدي به الناس بدعوته إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
أما من أوتي علماً، فطلب به الدنيا، وتكسب به، وطلب العاجلة، وأخلد إلى الأرض، فلا خير فيه ولا في علمه، كما قال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} [الأعراف:١٧٦].
وقد استشهد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالعلماء وجعلهم شهداء على ألوهيته، قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران:١٨]، ولم يستشهد من أهل الدنيا أحداً إلا هؤلاء، أهل العلم.
وقال في الآية الأخرى: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ} [الشعراء:١٩٧]، وقال تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف:١٠] فالعلماء يشهدون في الأمور العظيمة، وهؤلاء الذين يستشهدهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهذا هو العالم الحقيقي، لكن عند الناس غير ذلك، وكذلك السعيد عند الناس هو الذي جمع المال والأولاد، والذي حاز زهرة، وفتنة الحياة الدنيا، مع أنه قد يُعذب بهذه الأموال والأولاد، فإنما هي فتنة في الدنيا، لكن عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في ميزان الوحي، من السعيد؟ ومن المطمئن؟ وهكذا.
يجب أن نصحح معاييرنا، ومفاهيمنا ونتوجه إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بقلوبٍ صادقة وعزيمة ثابتة، وبإقبال على الآخرة وانصراف عن ملهيات الدنيا، ولا نكون كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ولا نكون كالشباب الخاسر، وكل إنسان خاسر كما قال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:١ - ٢]، فكل الجنس الإنساني بهذا القسم في خسارة ماحقة: الملوك، والأغنياء، والأثرياء، والوزراء من أهل الدنيا، وكل ما ترى أمامك، كلهم خاسرون، إلا من استثنى الله، وقد ذكر صفاتهم، فقال: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر:٣]، فأول صفتهم الإيمان.
وثانيها: العمل الصالح {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر:٣].
وثالثها: التواصي بالحق، فهم لا يجهلون الحق، يعرفونه كلهم، ويتواصون به أيضاً؛ لأني قد أعرف الحق وأضعف عنه، وقد أعرفه وأجبن عنه، قد أعرفه وأنساه وأغفل عنه، فتوصيني وتذكرني وأنا أذكرك، لا نقول: هذا يفهم ويعرف كل شيء، كما أن كل مسلم يعلم أن الصلاة حكمها كذا، وحكم تاركها كذا، لكن أكثر الناس لا يصلون، يعلمون لكن يفعلون، فلذلك قال تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر:٣]، فيذكر بعضهم بعضاً، {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:٣].
ورابعاً: التواصي بالصبر، فلا يقول له: إذا رأيت أن الموضوع صعب فاتركه: (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، اصبر واستمر وادع إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فيجب أن ينصح بعضنا بعضاً، وأن ننتهز كل فرصة نجد أنفسنا فيها معاً لنتذاكر بواجبنا في هذه الجامعة، ومسئوليتنا أمام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، سواء ونحن ندرس، أو بعد التخرج نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يوفقنا وإياكم لكل خير، إنه سميع مجيب.