نحن نخشى على أنفسنا -جميعاً- من النفاق, ولا نستنكف ذلك؛ فإن أحد التابعين وهو ابن أبي مليكة رضي الله عنه يقول:[[أدركت ثلاثين -وفي رواية ثمانين- من أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلهم كان يخشى على نفسه النفاق]] عافنا الله وإياكم من النفاق! فطلب العلم إذا كان خالصاً لوجه الله تبارك وتعالى, وصاحبه يريد أن يدعو إلى الله، وأن يحقق ثمرة هذا العلم؛ فإن علامة ذلك وآيته: أنه يعد العدة من الآن لهذا العمل الجليل، والله تبارك وتعالى قد أخبرنا بحال المنافقين حينما أخذوا يعتذرون إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويحلفون في غزوة تبوك، فقال:{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً}[التوبة:٤٦].
فبيَّن الله تعالى كذب المعتذرين الذين تخلفوا وخُذلوا عن القيام بأمر الله -عز وجل- مهما حلفوا من الأيمان، ومهما ظهر عليهم أو أظهروا من علامات البراءة والصدق, فأبطل الله -تبارك وتعالى- دعواهم هذه بحقيقة مهمة جلية، وهي: أن الذي يريد الحق وسعى إليه ثم حال دونه عذر، فإنه يعد العدة، ولكن يمنعه العذر.
أما هؤلاء فإنهم لم يعدوا العدة لذلك {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ}[التوبة:٤٦]، أي: لو كانوا حقاً يريدون الخروج لأعدوا له العدة، ولكنهم كانوا متخاذلين متكاسلين إلى أن انتهت الغزوة وعاد الجيش, فأخذوا يقسمون الأيمان ويحلفون أنهم صادقون، وأنهم يريدون الخروج.
فالإخلاص في طلب العلم لوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو أول ما يجب على طالب العلم؛ وكما تعملون أن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة -كما ثبت ذلك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومنهم: العالم المرائي أو القارئ المرائي طالب العلم الذي تعلم رياءً أو طلب العلم من أجل الدنيا.
وقد عقد الشيخ الداعية المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في " كتاب التوحيد " باباً بعنوان (باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا)، وذكر فيه قول الله تبارك وتعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ}[هود:١٥ - ١٦] أي: ليسوا من أهل التوحيد أهل المعاصي, لأن المؤمنين الموحدين من أهل المعاصي ما داموا على التوحيد والإيمان، فإن لهم في الآخرة الجنة وإن دخلوا النار، لكن الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار هم الذين تمحَّضت قلوبهم ونياتهم وتجردت عن الإخلاص، وتمحَّضت لغير الله تبارك وتعالى, وذكر بعد ذلك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:{تعس عبد الدرهم! تعس عبد الدينار! تعس عبد القطيفة} إلى آخر الحديث، وفيه الزجر والوعيد لمن يسعى ويعمل ويكدح من أجل الدنيا ومن أجل طلب هذا المتاع الفاني.
فأوصي نفسي وإخواني بالإخلاص في طلب العلم لوجه الله تبارك وتعالى، وبتقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التي هي وصية الله للأولين والآخرين.