للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأحكام التشريعية في الياسق]

والشيخ ذكر بعض الأحكام في الياسق، ونتعرض إلى بعضها، كما في تاريخ ابن كثير رحمه الله، الجزء (١٣/ ١١٧) يقول: 'وممن توفي فيها من الأعيان جنكيز خان سنة (٦٢٤هـ)، وهو الذي وضع لهم السياسا -بالألف الممدودة- التي يتحاكمون إليها، ويحكمون بها، وأكثرها مخالف لشرائع الله تعالى وكتبه، وهو شيء اقترحه من عند نفسه، وتبعوه في ذلك، وكانت تزعم أمه أنها حملته من شعاع الشمس، فلهذا لا يعرف له أب، والظاهر أنه مجهول النسب'.

وشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله في فتواه عن التتار لما قالوا: إن جنكيز خان أعظم من الأنبياء، قالوا: هذا أمه حملت به من شعاع الشمس، فقال شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية: هذا إن ثبت فإنه يدل على أنه ابن زنا؛ لأنها لم يكن لها زوج، فكيف حملت؟ قالوا: من شعاع الشمس؟ والشمس لا تحبل امرأة! إذاً هذه زانية عاهرة حملت به وليس لها زوج فجاءت به، وإلى اليوم يعتقد اليابانيون وبعض الكوريين أن الامبراطور من نسل الشمس، والإله عندهم الشمس، والامبراطور من ذريتها، فلهذا يعتقدون أن في الامبراطور جزءاً من الألوهية تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

قال: 'وقد رأيت مجلداً جمعه الوزير بـ بغداد علاء الدين الجويني في ترجمته، فذكر فيه سيرته'.

ثم قال: 'وكان وفاته في سنة (٦٢٤هـ) فجعلوه في تابوت من حديد، وربطوه بسلاسل وعلقوه بين جبلين هنالك' قالوا: هذا لا يدفن في الأرض فربطوه وعلقوه، وهذه من خرافاتهم، ففي الهند يحرقونه، وعند اليابانيين والكوريين والتتار يدفنون معه كل أدواته حتى النظارات والكاميرا والقلم، ولما مات هيروهيتو دفنوا معه (٢٥٠) قطعة كما يقولون، ولكن كانوا يضعونها في تابوتٍ محكم قوي، من أجل أنه إذا قام يمكنه أن يستخدم أدواته التي كان يستخدمها في الدنيا، وهذا جنكيز خان كان شكلاً آخر.

قال: 'وأما كتابه الياسا فإنه يكتب في مجلدين بخط غليظ، ويحمل على بعير عندهم، وقد ذكر بعضهم أنه كان يصعد جبلاً، ثم ينزل، ثم يصعد، ثم ينزل مراراً حتى يعيي ويقع مغشياً عليه، ويأمر من عنده أن يكتب ما يلقى على لسانه حينئذٍ'.

أي: إن الرجل كان به مس من الجن نسأل الله العافية.

قال: 'ثم ذكر علاء الدين الجويني نُتفاً من الياسا -من أحكام الكتاب- من ذلك: أنه من زنا قتل، محصناً كان أو غير محصن، وكذلك من لاط قتل'.

فكان نظاماً جاهلياً لا شك فيه، ولكن بالنسبة للأنظمة الأمريكية والإنجليزية يعتبر نظاماً راقياً، لأنه يعتبر الزنا واللواطة جريمة عقوبتها القتل، ولا فرق بين المحصن وغير المحصن، فقد كانوا يعتبرون الزنا واللواطة جريمةً، بخلاف الأنظمة الأمريكية، ففي أمريكا تقدم عشرين مليوناً إلى الرئيس ريجن يطلبون إباحة اللواط علانية، وأن يصبح لهم تمثيل خاص بهم في الكونجرس، فقاموا بمظاهرات كبيرة في نيورليانز وفي لوس أنجلوس وغيرها، وحطموا المباني، وقالوا: أين الحرية والديمقراطية التي يدعيها ريجن وتدعيها أمريكا، وهي تهدر حقوق عشرين مليوناً من شعبها، نسأل من الله العفو والعافية؟ فـ جنكيز خان أرقى من الأمريكان في هذا الشأن.

ثم يقول: ' ومن تعمد الكذب قتل أيضاً '.

فهي عقوبة جاهلية وقاسية رادعة، لكنها بالنسبة للقوانين الأوروبية المعاصرة تعتبر راقية، وتجد أن الغرب الآن يسيطرون على قوانين الإعلام كله في العالم، وخاصة الإعلام السياسي؛ لأن إعلام غير الغرب هو صدىً للغرب، وقائم على الكذب والتلفيق والاختلاط.

فالشاهد أن جنكيز خان يريد أن يضبط هذه القبائل الهمجية، فجعل من تعمد الكذب قتل و: 'من سحر قتل'.

وهذا موافق للشرع، وهذا -أيضاً- يترقَّى به هذا القانون الجاهلي الوضعي على قوانين الغرب؛ لأن السحر في الغرب لا عقوبة عليه، وكانت الكنيسة أيام سلطتها قبل الثورة الفرنسية في أوروبا يطاردون السحرة، ويحكمون عليهم بالقتل، وكان أكثر من يمتهن السحر هن النساء، فكل من قبض عليها تقتل، وفي القصص لـ شكسبير وغيره في الأدب الأوروبي الكثير من الكلام عن الساحرات وكيف يفعلن، لأنه كان جزءاً من حياة الغربيين، فهو جزءاً من حياة أي مجتمع لا يدين بالتوحيد ولابالعقيدة الصحيحة، بعقيدة السلف الصالح فلابد أن تجد فيه السحر، فكلما ضعفت العقيدةكلما اشتد السحر والكهانه والدجل والخرافة والعرافة إلى آخر هذه الأسماء.

فكانت العقوبة في أوروبا هي الإعدام حتى ظهرت القوانين الحديثة وألغت القوانين الدينية واعتبروا السحر مجرد هواية، ولذلك أكبر مقر للسحرة في العالم الآن رسمياً هو في وسط نيويورك، وفي مبنى ضخم جداً قريب من مبنى الأمم المتحدة، ويوجد فيه مركز كبير جداً للسحرة الذين يجتمعون من جميع أنحاء العالم ومن أمريكا خاصة ويتكهنون بأخبار الغيب والمستقبل ويتنبئون، ولهم كتب ونشرات ومجلدات واشتراكات؛ ثم تأتي لندن وباريس وتنشر هذا في كثير من الجرائد والمجلات، ثم تجد أن أي زعيم من زعماء الغرب الذين يدعون العلمية والموضوعية لا بد أن يتأثر بالساحرات، وكل رئيس لـ أمريكا - تقريباً - يوجد عنده كاهنة، وكاهنة ريجن كتبت مذكراتها، وكتبت زوجته مذكراتها، ونشرت في جريدة المدينة عندنا وقرأناها، فكيف ينشر هذا عند المسلمين دون ما إنكار؟! فهؤلاء الهمج الجاهليون والوثنيون والمغول كانوا في حكمهم في هذا الجانب أفضل من حكم هذه الشرائع الجاهلية الحديثة، وهو موافق للشرع ومأخوذ من الشرع: 'ومن تجسس قتل'.

وهذه -أيضاً- فيها عدالة وإنصاف، ولا شك أن التجسس جريمة في أي عرف، أما بالنسبة لتلك القبائل الهمجية فكان عندهم هذا الحكم، وإن كان مخالفاً لشرعنا إلا أن فيه شيء من حفظ الحق على الأقل.

أما الآن فالإنسان الغربي يعيش تحت سيطرة أجهزة التصنت، فالتجسس الذي يراه هذا الغربي المتحضر حقاً عادياً على الأقل من الناحية العرفية والواقعية، كان الوثنيون الجاهليون يعتبرونه جريمة ويعاقبون عليه بهذه العقوبة القاسية والمخالفة للشرع، ففي الشرع أنه إذا كان مسلماً وأخبر وأطلع الكفار على أحوال المسلمين فإنه يقتل، لكن التجسس بين الناس بعضهم على بعض فليست هذه عقوبته.

ثم قال: 'ومن دخل بين اثنين يختصمان فأعان أحدهما قتل، ومن بال في الماء الواقف قتل، ومن انغمس فيه قتل '.

يقول القانونيون المعاصرون قاتلهم الله: إن قوانين القرون الوسطى كانت ظالمة، ومجحفة وقاسية في حقوق الإنسان، لكن القوانين الحديثة ميزتها أنها تعطي المتهم الراحة والرفاهية.

فدين الله تعالى هو دين الحق والوسطية، فالجاهلية إما أن تحكم بالقتل حتى على من بال بالماء، وإما أن تجعل من يمشي عارياً كما في أمريكا لا حرج عليه، قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:٥٠] أما حكم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فهو الحق والعدل والوسط في كل شيء.

فهذا كان بالنسبة للماء.

' ومن أطعم أسيراً أو سقاه أو كساه بغير إذن أهله قتل'.

لأنهم أمة حرب كل عملهم حرب فليس إلا العقوبات.

'ومن وجد هارباً فلم يرده قتل، ومن أطعم أسيراً أو رمى إلى أحدٍ شيئاً من المأكول قتل، بل يناوله من يده إلى يده -وإلا يقتل- ومن أطعم أحداً شيئاً فليأكل منه أولاً، ولو كان المطعوم أميراً لا أسيراً -حتى يطمئن بأنه ليس فيه سُمّ- ومن أكل ولم يطعم من عنده قتل، ومن ذبح حيواناً ذُبح مثله -إذا ذبحه ويقصد الذبح العادي- وقال بل يشق جوفه، ويتناول قلبه بيده يستخرجه من جوفه أولاً يقول جنكيز خان: الذي يذبح الحيوان بطريقة الذبح المعروفة يذبح كما يذبح الحيوان، لأن شريعته تقول: لا بد أن يذبح الجوف ويستخرج القلب، وبعد ذلك يموت الحيوان، فهكذا أملى له هواه وسولت له نفسه الخبيثة'.