للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلمانية خرافة يدمغها الحق]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد: قبل أن نبدأ في الموضوع أريد أن أنبه على بعض الأشياء وقد تكون شكلية، ولكن نحن المسلمين يجب ألا نفرق بين الشكل والمضمون، بل لا بد أن نلتزم ما أمكن بهما معاً.

فالعنوان (موقف الفكر الإسلامي من العلمانية) ولنبدأ القضية من العنوان نفسه.

فاختيار العنوان لا يقصد به عقد مقارنة بين فكرين متقابلين، لكن لعل هذا يشعر بذلك.

إن موضوع الفكر الإسلامي ينبغي أن نطرحه دائماً على أنه وحي أنزله الله تبارك وتعالى، وعلى أنه أمر ممن لا يضل ولا يخطئ، أنزله الله الذي يعلم السر في السماوات وفي الأرض، وبلغه الأنبياء المعصومون عن الخطأ في التبليغ عن الله عز وجل.

يقابل هذا الوحي: الهوى والجهل والخرافة والأساطير، وما شئت من مسميات! فلتكن بأي شعار، وبأي اسم، وفي أي زمان، وفي أي مكان، فما لم يكن من الوحي فهو هوى وجهل وخرافة، إلا فهماً يؤتاه المؤمن من كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ولو نظرنا إلى العلمانية من هذه النظرة، لوجدنا أن القضية قضية توحيدٍ دعا إليه الرسل جميعاً ونزلت به الكتب جميعاً، يقابله شركٌ وجهل وجاهليةٌ وخرافات وردود فعلٍ بشرية، جاءت في فترات معينة في قومٍ معينين، لا يصلح بأي حال أن يكون مبدأً أو منهجاً يسير عليه البشر جميعاً في كل مكان، ولا سيما من كان الوحي النقي بين أيديهم وفي متناولهم، ويقرءونه ويتلونه ليلاً ونهاراً، فمن هذه القضية يبدأ الموضوع.

إن الله عز وجل إنما أرسل الرسل لدعوة الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وذكر الله عز وجل في كتابه أن الأنبياء جميعاً بعثوا ليقولوا: {أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥] وفي الآيات الأخرى: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦] فمعنى (لا إله إلا الله) عبادة الله واجتناب الطاغوت، وهي التي ذكرها الله تعالى أيضاً عقب آية الكرسي: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٥٦] فهذه كلها تدل على معنى شهادة (لا إله إلا الله) التي جاء بها الأنبياء جميعاً، فأي مجتمع يؤمن بها ويقيمها ويعرف معناها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مجتمعاً علمانياً، أو أن يقبل العلمانية، لأن القضيتين متضادتين متناقضتين، لايمكن أبداً أن تتفقا.

إنها ظروف تاريخية وملابسات معينة لا أطيل بشرحها، ,إنما أختصرها في كلمة واحدة، وهي الخرافة، فالخرافة هي سبب العلمانية، سواء في أوروبا أم في بلاد المسلمين! وأعني بالخرافة أن يختلق البشر صورةً يتزينون بها من البدع ومن الضلالات غير ما شرع الله عز وجل، فعندما تنتشر الخرافة في أي مجتمع؛ فإن هذا المجتمع يقبل العلمانية، ويمكن أن يتحول إلى علمانية جزئية أو كلية بحسب تقبله للخرافة أو مقاومته لها.

والعلمانية إذا حددت بالاسم وقيل: العلمانية فإنها تعني: المذهب الفكري المعروف، وهو مذهب نشأ في أوروبا وهي قارةٌ مظلمة، ولم ولن تخرج من الظلمات أبداً وهم يطلقون على فترة من تأريخهم قرون الظلمات، وكأنهم الآن في النور، والواقع أن أوروبا لم تخرج من الظلمات مطلقاً ولن تخرج منها إلا إذا آمنت بالله وحده، واتبعت دينه الذي هو الإسلام الذي لا يقبل الله ديناً غيره، فـ أوروبا تتخبط من جهلٍ إلى جهلٍ، ومن ظلمات إلى ظلمات، وعندما نشأت فيها هذه الفكرة، ما كان ذلك نتيجة تفكير منطقي علمي مجرد، كما يوهم الاسم أو يشعر، ولا يمكن على الإطلاق أن يكون العلم الحقيقي أو التفكير الحقيقي مضاداً لما أنزل الله تبارك وتعالى، وإنما نشأت كردود فعلٍ طويلة ولو حاولت أن أعرضها عليكم، لكان معنى هذا: أن نعرض تاريخاً طويلاً يمتد من سنة (٣٢٥م) على الأقل إلى الآن، أي منذ أن اعتنقت الامبراطورية الرومانية ما يسمى بالمسيحية وحتى الآن.