للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مذاهب الفقهاء الأربعة]

نرجع إلى كلام الفقهاء: أولاً: مذهب الحنفية: وقد قرأنا لكم نصهم فهم يرون التدرج، يكون فرض العين على أهل البلد الذين يهاجمهم الكفار، وفرض كفاية على من يليهم، ثم يتدرج وتتسع الدائرة حتى تشمل جميع بلاد المسلمين.

ثانياً: مذهب المالكية: وقد ذكر عنهم ما في حاشية الدسوقي فقط، وهذا لا يعبر عن كلام المالكية، بل حتى الحنفية لا نسلِّم أن ما قاله ابن عابدين يكفي، لكن لنفترض ذلك، والشيخ أخذ في المذهب أشد ما يجد فيه، يقول المالكية: "توجه الدفع على كل أحد، وإن كان امرأةً أو عبداً أو صبياً، ويخرجون ولو منعهم الوالي والزوج ورب البيت"، وهذا الكلام: "توجه الدفع على كل أحد" نص معلق؛ لأننا لا نعرف ما هو الشرط، فلا نستطيع أن نقول: إن فيه حجة، حتى نعرف متى يتوجه الدفع؛ لأنه لم يذكر هل ذلك إذا دخلوا بلاد المسلمين؟ هل إذا دخلوا البلدة نفسها؟ هل إذا دخلوا بلاداً بعيدة بأطراف الثغور؟ لا ندري، فهذا لا دليل فيه.

ثالثاً: مذهب الشافعية: يقول: "جاء في نهاية المحتاج للـ الرملي: فإن دخلوا بلدة لنا، وصار بيننا وبينهم دون مسافة القصر، فيلزم أهلها الدفع حتى من لا جهاد عليهم من فقير، وولد، وعبد، ومَدين وامرأة".

الشافعية اشترطوا -ليكون الجهاد فرض عين- أن يكون بيننا وبين العدو أقل من مسافة القصر، أي: ٨٠ كيلو، وبعض العلماء يقول: ٤٨ميلاً فنفهم من كلام الشافعية أن العدو إذا لم يكن بينك وبينه مسافة القصر، فلا يجب عليك وجوباً عينياً حينها أن تجاهد، فهل في هذا الكلام الذي يقول: (وصار بيننا وبينهم دون مسافة القصر) دليل لمن يقول: إنه فرض عين على جميع المسلمين في أطراف الدنيا كما في العنوان؟! فعلى مذهب الشافعية؛ لا يجب الجهاد حتى على المسلمين الذين في باكستان قريباً من الحدود بقدر ٨٠ كيلو متر، إِذَنْ هذا لا دليل فيه! رابعاً: عند الحنابلة: يقول ابن قدامة: ' ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع: إذا التقى الزحفان، وتقابل الصفان.

ثانياً: إذا نزل الكافر ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم ' وأيضاً لا شاهد في هذا.

' الثالث: إذا استنفر الإمام قوماً لزمهم النفير '.

هذه القضية الثالثة: إذا استنفر إمام المسلمين قوماً لزمهم النفير، وإذا لم يستنفرهم الإمام لم يلزمهم، فنرجع إلى قضية أخرى وهي قضية الإمام العام للمسلمين، وقد جاء كلام الفقهاء على هذه الصيغة؛ لأنهم يتصورون أن الأمة الإسلامية لها إمام واحد -هذا هو الأصل- ويحكمها جميعاً خليفة واحد، كما كان في عهد الراشدين ومن بعدهم، وهذا الإمام إذا استنفر قوماً وجب عليهم؛ لأنه ينظر إلى المصلحة نظرة متكاملة، فهو أعرف بالحدود.

فيقول: "الحدود الشرقية ليس فيها مشكلة، لكن عندنا في الغرب عدو، تعالوا يا أهل الشرق واذهبوا إلى الغرب"؛ لأنه بلد واحد، وحالتنا نحن المسلمين في هذا العصر مختلفة تماماً، الواقع الآن أن المسلمين مقسمون إلى دول، وكل دولة لها حدود مع الأخرى، فلا ينطبق عليها أن واحداً يحكم بلداً بعيداً يستنفر بقية البلاد، فكيف وهو لا يوجد إمام حتى في البلاد التي تريد أن نُستنفر إليها، وإنما جبهات مختلفة؟! نسأل الله أن يجمع كلمتهم على الحق إنه سميع مجيب.

فكلام ابن قدامة ليس فيه دليل.

نأتي الآن إلى كلام ابن تيمية: ويقول ابن تيمية: ' إذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم، ونصوص أحمد صريحة بهذا '، وليس في هذا دليل لكلام الشيخ عبد الله، فهل هذا ينطبق مع كلام الشيخ عبد الله حيث يقول: اتفق السلف والخلف وجميع الفقهاء والمحدثين في جميع العصور الإسلامية، أنه إذا اعتدي على شبر من أراضي المسلمين، أصبح الجهاد فرض عين على كل مسلم ومسلمة، بحيث يخرج الولد دون إذن والده، والمرأة دون إذن زوجها أين هذا من هذا؟ فليس هناك دليل، وكما نلاحظ الحنفية دليلهم صريح، وكلام المالكية معلق، وكلام الشافعية والحنابلة ليس فيه دليل، وهكذا انتهت المذاهب الأربعة التي يظن الشيخ أنها أجمعت على أن ما يقوله صحيح.