لقد بدأ الانحراف عندما أخذت هذه الأمة تتلقى عن غير كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن القَدَر أن أول من واجه هذه القضية هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ فعندما فتح سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه هو وجيشه الميمون المظفر مدائن كسرى تلك المدينة العظيمة التي ما كان يحلم العرب بأن يروها بأعينهم، فضلاً عن أن يدخلوها! دخلوا فوجدوا فيها الكتب الكثيرة عن الحضارة الفارسية والعقائد والأديان والعلوم التي كانت عند هذه الأمة في هذه المملكة؛ فكتبوا إلى عمر رضي الله عنه:[[يا أمير المؤمنين! قد وجدنا كذا وكذا فما رأيك أنحملها أم ننقلها للمسلمين فلعل فيها علوماً، فكتب رضي الله عنه إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد أغنانا بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن يكن في هذه الكتب هدىً فقد هدانا الله، وإن يكن فيها غير ذلك فقد كفانا الله، فاطرحوها في الماء أو حرِّقوها]] ولكن هذا الموقف الذي اتخذه عمر رضي الله عنه لم يظل هو الموقف المعمول به؛ فإنه جاء من بعده خالد بن يزيد الأموي الذي ترجم من كتب اليونان قليلاً، ثم أبو جعفر المنصور الذي ترجم بعض الكتب أيضاً، ثم جاء المأمون ففتح الباب على مصراعيه، ودخلت البدع من كل مكان، تُلقي وراء ظهرها بكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فظهرت أقوال القدرية، وظهرت أقوال الخوارج، وظهرت الشيعة، وهي التي نفثها اليهود في دين الإسلام ليهدموه، وظهرت هذه الفرق، فنبذت كتاب الله وراء ظهرها، وأخذت تُشرِّع للناس من أنواع التعبدات ما لم يأذن به الله.