إذا كان الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قدر على الإنسان وقضى عليه سابقاً بشيء، ثم دعا الله وردّ عنه هذا البلاء، فكيف يجمع بين هذا وذاك؟
الجواب
الجمع بين هذا وذاك بإيجاز: الوجه الأول: هو ما جاء ذكره في قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[الرعد:٣٩].
فأُم الكتاب هو اللوح المحفوظ وهذا لا تغيير فيه ولا تبديل، لكن -كما تعلمون- هناك تقدير سنوي حولي في السنة، ويكون في ليلة القدر، وهناك تقدير عمري، وهذا يقدر إذا نفخ الملك الروح في الإنسان، وهناك التقدير الكوني، وهو الذي في اللوح المحفوظ، فيجوز أن يكون في التقدير العمري أو التقدير الحولي أو التقدير اليومي، الذي يقدره الله أمر معلق، ولكنه في اللوح المحفوظ ثابت، والأمر المعلق مثل أن يقدر الله على إنسان بمرض في التقدير الحولي أو العمري أو اليومي، لكنه يعلق بالدعاء، فإذا دعا الإنسان صرف عنه هذا التقدير، وإلا فإنه يحل به، أما التقدير الكوني فإنه لا بد إما أنه مكتوب بأنه يدعو، فينجو من المرض -مثلاً- أو لا يدعو فيصيبه المرض، فيكون هذا حافزاً لنا أن ندعو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دائماً، ندعو الله تعالى ونستيقن أن هذا الدعاء سيصرف الله تعالى عنا به شيئاً من الشر، أو يحقق لنا شيئاً من الخير، أو يدخره لنا عنده.
الوجه الثاني: وهو أن الدعاء سبب من الأسباب، فمثلاً أنت تخشى أن تقع في مصيبة -عافانا الله وإياكم- فلو أنك مشيت في آخر الليل وأنت سهران، لربما وقع لك حادث، لكن لو قلت: أنا لن أقود السيارة وأنا سهران! فإنك تنجو بإذن الله، فهذا سبب تتخذه فتنجو بإذن الله.
والدعاء سبب من الأسباب المشروعة شرعها الله لنا، فنتخذه لندرأ به ما نتوقعه من الشرور، فإن لله عز وجل أقداراً تمشي وفق السنن المعروفة لدينا، ونحن نعلم من السنة الربانية -وكل إنسان يعلم هذا- أن كثيراً من الناس دعوا الله عز وجل فجنبهم الله مصائب حاقت بمن حولهم، وهذا بفضل دعائهم لله عز وجل، بل حتى المشركين إذا دعوا الله عز وجل في البحر فإنه ينجيهم.
إذاً: الدعاء سبب واضح مجرب يدفع بعض ما يقتضي في علمنا الإنساني البشري وقوع الشر ووقوع المصيبة، التي قد تكون مكتوبة عند الله أنها لا تقع، فالمسلم مطلوب منه أن يدعو الله عز وجل ويتخذ ذلك الدعاء سبباً لدفع الشر، ودفع البلاء الذي يتوقعه والذي يخافه، فلا ننسى دعاء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كل وقت وفي كل حين، ولو من أجل شيءٍ بسيط.