للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الاستثناء في الإيمان]

السؤال

ما حكم الاستثناء في الإيمان، وما هو قول أهل السنة في ذلك؟

الجواب

الاستثناء في الإيمان هو أن يقول الإنسان: أنا مؤمن إن شاء الله, وخلاصة القول فيه بإيجاز: إن أراد الإنسان أن يبعد عن نفسه شبهة التزكية، كما قال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:٣٢] فيقول: "أنا مؤمن إن شاء الله", فإنه لا بأس بذلك، ويقصد بذلك كمال الإيمان، أي: أنه مؤمن الإيمان السلفي الذي هو أعلى من درجة الإسلام, الذين وصفهم بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:٢].

فمن السلف من كان يتحرج عندما يقرأ هذه الآيات ويُسأل أمؤمن أنت؟ وقد سُئِلَ الحسن البصري رحمه الله عن ذلك فقال: 'إن كان من هؤلاء الذين وصفهم الله بقوله: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} [الأنفال:٢] إلى آخر الآيات في وصفهم فلست منهم، وإنما أرى نفسي ممن قال الله عز وجل فيهم: ((وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [التوبة:١٠٢] '.

فهذا من باب حط النفس واتهامها وعدم تزكيتها، وأما بالنظر إلى كمال الإيمان وتحقيقه فإنه جائز، وأما إن قالها على سبيل الشك عياذاً بالله، ويقصد بالإيمان الإسلام أنه مؤمن إن شاء الله - يعني أنه شاك في إسلامه- أي: أنا مسلم إن شاء الله، على سبيل الشك، فذلك لا يجوز.

وهذا يجمع ما ورد عن السلف من الاستثناء وما ورد عنهم من النهي عنه, فمن نظر إلى كمال الإيمان وإلى التزكية استثنى، ومن لم يستثن فإنه نظر إلى أن المؤمن لا يشك في دينه، كما قال قائلهم: أشك في كل شيء إلا في إيماني، فأنا مسلم، ويقصد من ذلك أنه لا شك عندي بأن الله حق وأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فكيف أستثني وأقول: أنا مسلم إن شاء الله بنية الشك، وبهذا يجمع بين القولين ولا منافاة بينهما، ولله الحمد.