[موقف يونس بن متى عليه السلام من قومه]
قال: (وفي المقابل انظر إلى يونس بن متى صلوات الله وسلامه عليه حيث لم يكن له هذه المقامات التي لموسى، غاضب ربه مرة، فأخذه وسجنه في بطن الحوت، ولم يحتمل له ما احتمل لموسى).
كلاهما نبيان، لكن هذا دعا قومه إلى الحق فكذبوه؛ فذهب مغاضباً: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء:٨٧]، أين الصبر والتحمل؟ أليس محقاً صلوات الله وسلامه عليه؟ بلى والله إنه لمحق، والله ما دعاهم إلا بما أوحى الله إليه، ولا دعاهم إلا إلى توحيد الله، ولا دعاهم إلا إلى طاعة الله، لكن لم تغضب وتذهب، اصبر وصابر ورابط وادع، ولو لم يستجيب لك إلا واحد.
لا تقل: لم يصغ لي، كيف أنذركم عذاب الله وتستهزئون بي، وتسخرون مني، إذاً: لا مقام لي بينكم، فذهب، وفي السفينة شهد على نفسه.
قال القبطان: إن هاهنا رجل ارتكب ذنباً، قال: أنا هو؛ فألقوه، كما الله تعالى في هذه الآية: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الصافات:١٤٢] ثم ذهب يجوب به، حوت عجيب، وما كان يعلمه الناس من قبل من الحوت إلا من أطلعه الله تبارك وتعالى عليه، أما الآن حتى الكفار الذين لا يقرءون كلام الله يعجبون من عظم الحوت، وكبر خلقته، وحياته، ومن ثم يقول: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنبياء:٨٧] نعم.
بطن الحوت ظلمة، وظلمة الليل ظلمة، وظلمة البحر، فأعماق البحر ظلام مطبق؛ لأن شعاع الشمس لا يستطيع أن يخترق هذه المسافة الهائلة.
كم أبعد نقطة ما بين سطح الماء وقعر البحر؟ هذا من علم التفكر في ملكوت السماوات والأرض، يقولون إنها تصل إلى عشرة كيلو مترات، وكما ترون الآن في البحار أن الشمس لا يمكن أن يصل شعاعها إلى هذا الحد أبداً، وفي قعر البحر تعيش أنواع من الحيتان والأسماك، وبعضها لها شكل الفسفور الذي يضيء في ذلك الظلام مثلما تضيء الساعة.
وفي قعر تلك الظلمات تسمع الملائكة تسبيحاً، يا رب! صوت معروف في مكان غريب، والملائكة تعرف الصوت، لكن المكان غريب ما عهدناه، هل عهدنا أن إنساناً يسبح في ظلمات البحر؟ وهم لا يعلمون الغيب، كذب المخرفون، وكذب الصوفيون، وكذب المبطلون الذين يدعون أن أحداً غير الله يعلم الغيب، لا والله ما يعلمون، ولكن الله سبحانه وتعالى يطلعهم: هذا عبدي يونس ذهب مغاضباً فعاقبته بذلك.
ثم يكون ما كان لما أراد الله سبحانه وتعالى له أن يقذفه الحوت إلى البر، وأن ينبت عليه شجرة من يقطين، ويرسله إلى مائة ألف أو يزيدون، ثم كانت هذه الأمة -كما تعلمون- لها موقف تتميز به عن بقية الأمم، بالشر والغلظة والعتو والعناد والجحود، مع قوته صلوات الله وسلامه عليه، ونجد أن قوم يونس صلوات الله وسلامه عليه مع هذا الذي وقع فيه، ومع ضعف صبره، لم يكن من أولي العزم، ولا كموسى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، نجد أن قومه بخلاف أولئك.
فإن قومه لما رأوا العذاب تضرعوا إلى الله، فأخذوا النساء والأطفال والدواب، وخرجوا في الصعدات، وأخذوا يبكون ويتضرعون ويستغيثون: يا رب! يارب! حتى رحمهم الله سبحانه، فكشف الله عنهم العذاب في الحياة الدنيا، وهذه آية عظيمة من آيات الله تدلنا على فضل اللجوء إلى الله، وقيمة الضراعة إليه سبحانه وتعالى، وأنه إذا أهمك أمرٌ أو حزبك فالجأ إلى الله؛ لأن كل شيء بيده سبحانه وتعالى.
مهما بلغت الذنوب وكثرت فالجأ إلى الله سبحانه وتعالى ولا تخف؛ فإنه سينجيك، المهم أن تتوب ما دام للتوبة مجال.