[أقسام أخبار الغيب]
وأيضاً نؤمن بالصراط، والملائكة، ورؤية وجه الله والميزان، وجميع أركان الإيمان، فهذه الأخبار على ثلاثة أنواع هي: أولاً: أخبار هي غيب محض: وهذه التي مدح الله تبارك وتعالى المؤمنين بها، في أول القرآن بعد الفاتحة في سورة البقرة: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:٢ - ٣] وهذا يشمل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والصراط والميزان، وغير ذلك.
وهذا من الغيب المحض الذي يكون بعد أن يلقى العبد ربه، فهو مادام في هذه الدنيا فهذا من الغيب الذي لا يراه.
ثانياً: أخبار هي غيب نسبي والمقصود بها: ما أخبر به الله أو أخبر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما سيكون في هذه الدنيا، ومما هو واقع ويكون في هذه الدنيا، وهذا يدخل فيه أمور كثيرة منها: أن توقن بظهور الإسلام على جميع الأديان، ومن أعظمها: أشراط الساعة التي نؤمن ونوقن بها حق اليقين، ولا نشك في ذلك ولا نتردد، ومن أشراط الساعة: خروج المسيح الدجال، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج يأجوج ومأجوج، والدابة، وبنزول عيسى عليه السلام، وبالدخان، وخروج النار من قعر عدن، وهي آخرها كما في حديث حذيفة في صحيح مسلم، فهذه الأشراط الكبرى العشرة مع الخسوفات الثلاثة: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب.
فهذه عشرة.
والعلامات الأخرى غير هذه كثيرة منها: خروج ما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من الفتن، وخروج المهدي ويكون مع عيسى عليه السلام، ويصلي خلفه، والحرب مع اليهود، ونوقن أن هذه الأمة ستقاتلهم حتى يقول الحجر والشجر يا مسلم هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، ونؤمن بتطاول رعاة الشاء في البنيان وتفاخرهم فيه، وهذا مما شوهد الآن وغير ذلك.
فإذاً: علينا أن نؤمن بكل ما أخبر به الله أو أخبر به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيماناً لا يتزعزع ولا يتزحزح أبداً وبذلك نصل إلى درجة أو مرتبة اليقين فنكون موقنين بذلك.
ثالثاً: نؤمن بما هو من أمر الغيب: لكن يمكن أن يكون غيباً عند البعض وليس غيباً عند البعض الآخر، ومن أمثلتها حديث الذبابة، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم ليلقه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء} فهذا بالنسبة لنا نحن الذين ليسوا من أهل الدراسة أو الاطلاع الكيميائي والبحث التجريبي وغير ذلك، فنحن عن طريق الغيب نؤمن بذلك.
ولكن لو أن أحداً حلل ورأى ودقق حتى عرف الداء وعرف الدواء، فهذا أصبح بحقه من عالم الشهادة لا من عالم الغيب، لكن نحن نؤمن بذلك وبما قاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سواء جربوا أو لم يجربوا.
والإيمان بالغيب أفضل، لأنا إذا جربنا ورأينا لم يعد ذلك إيماناً بالغيب، وإن كان إيماننا وتصديقنا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزيد، وأكثر الناس لا يزيد إيمانه إلا إذا رأى.
لكن المؤمن ينبغي له أن يوقن وأن يصدق بذلك دون أن يحتاج إلى تجريب وامتحان، لأنه أخبر بذلك الصادق المصدوق الذي أخبر الله تعالى أنه لا ينطق عن الهوى.
إذاً: يكون لدينا اعتقاد مطلق بأن كل ما أخبر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو حق من عند الله تبارك وتعالى لا نشك في ذلك ولا نتردد أبداً، ولكن الشرط الوحيد الذي نطالب به هو أن يصح وأن يثبت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال ذلك، وهذا يدخل في عموم قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧] فكل ما آتانا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نأخذه كما في قوله تبارك وتعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} [الأنبياء:٤٥] فهو إنما ينذرنا بالوحي من عند الله عز وجل، وليس بشيء من عند نفسه، فنؤمن بهذا كله، وهذا لا يحتاج إلى إطالة ولا إلى شرح ولا إلى تفصيل.