فضيلة الشيخ سعيد شعلان: مجموعة من كبار القراء الذين اشتهروا في العالم الإسلامي ظهرت أخبارهم في وسائل الإعلام وكأنهم لا يحيون بالقرآن، واستطاع الإعلاميون استغلالهم، فمنهم من استضيف في حفل مسرحي، ومنهم من استضيف في افتتاح مباراة كرة، ومنهم من اجتمع في لقاء صحفي يذكر فيه أنه يرى التلفاز والتمثيليات ويسمع الغناء، فنرجو من الشيخ أن ينبه القراء إلى خطورة ما يحاك لهم من الإعلاميين بهذا الصدد؟
الجواب
الحمد لله، تعلمون جميعاً أن الله عز وجل أنزل كتابه المبارك لهداية الناس إلى مصالح الدنيا والآخرة، ولم ينزل هذا الكتاب ليقرأ في المآتم، أو على القبور، أو في افتتاح الحفلات، أو ليوضع مهجوراً بين دفتين عظيمتين من الأصناف الغالية الثمن، وما إلى ذلك، لا، بل هو كتاب هداية وما مضى الكلام على ما فيه من مادة الحياة وكيف حيَّ به أسلافنا، وكيف يتدبر، يغني عن إعادة الكلام عن الهدف الذي من أجله أنزل الله -تبارك وتعالى- هذا الكتاب العزيز المبارك، ويكفيني أن أرد هذا العمل -على من قام به من القراء ولو كانوا من المشاهير- بكلام من سبقهم في قراءة القرآن وتعلمه، وتعليمه ولن يكون هؤلاء القراء مهما بلغت شهرتهم حجة على هذه الفعال بإزاء القراء الأولين المفكرين، الفاهمين، المتدبرين، المتعقلين، جامعي الفكر على معاني آيات القرآن الكريم، لن يكونوا مثلهم، ولن يُحتجَّ بهم ويُتركَ الاحتجاجُ بهؤلاء الأولين رضي الله عنهم.
لقد ذكر النووي رحمه الله تعالى في التبيان في آداب حملة القرآن آثاراً عن ابن مسعود رضي الله عنه والحسن والفضيل بن عياض رحمهم الله تعالى، أكتفي بذكرها وفيها ردٌ كافٍ على هذه الأعمال وعلى هذا السلوك، يقول ابن مسعود رضي الله عنه:[[ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا الناس نائمون -إذا نام الناس قام هو- وبنهاره إذ الناس مفطرون -يعني: بصيامه- وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبصمته إذ الناس يخوضون، وبخشوعه إذ الناس يختالون]].
وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى:[[إن من كان قبلكم -يقول للتابعين في زمانه وأتباعهم- رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار]]، أي: يعملون بها في النهار.
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى:[[حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي له أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو، تعظيماً لحق القرآن]]، لا ينبغي أن يشارك في اللهو والسهو واللغو تعظيماً لحق القرآن، لأنه من حملته وسيكون حجة لغيره إذا ما رآه على هذه الأمور أن يفعل مثله.
أما إذا كان هو يبرر هذه الفعال ويحكم بجوازها وصحتها، ويتفضل بافتتاح هذه الحفلات بأن يقرأ قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}[فصلت:٣٠]{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ}[القمر:٥٤] ولست أقول: إن المصيبة في أن يقرأ هذه الآيات، لكن المصيبة في المشاركة والحضور في هذه الحفلات، ولو قرأ أي آية من كتاب الله -عز وجل- لأنه يجلس مع قوم فارغين، لا هم في أمر دنياهم، ولا هم في أمر آخرتهم، كيف ذلك؟! يجلس مع قوم لا يصلحون دنياهم، ولا يصلحون آخرتهم! فهذا هو الذي ينبغي لحامل القرآن من الآداب، وبهذا القدر كفاية والله تبارك وتعالى هو المسئول أن يهدينا، وأن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى، وأن يختم لنا بخير، وأن يجعل عواقب أمورنا إلى خير.