للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مهاجمة العلمانية للمنابع الإسلامية]

بعد ذلك يأتون إلى الأصول التي يجتمع عليها الناس ويفهمون منها، ويأخذون منها أحكامهم ودينهم، فيضربونها ضربة قاضية.

فمثلاً: نحن عندنا علوم معيارية، وعلم أصول الفقه، وهذا يضبط كيف نستنبط الأحكام؟ وما هي مصادر الاستنباط؟ إلى آخر ذلك، فيضربون أصول الفقه ويقولون: لا بد من أصول فقه جديد، وكذلك القياس؛ يقولون: لا بد من القياس الواسع، بمعنى: قس أي شيء على أي شيء كما يحلو لك، وكذلك المصلحة الواسعة، ليست المصلحة الشرعية، بل المصلحة الواسعة التي يمكن أن تلغي النصوص، وكذلك الإجماع المقيد، يقولون: أنتم تقولون: إن الإجماع إجماع مجتهدي الأمة! وهذا غير ما عندنا من الإجماع المقيد قال بعضهم: إذا أجمع طلاب مدرسة ثانوية على شيء، فهذا إجماع، ولو أجمعت جمعية على شيء فهذا إجماع.

فيقولون: لماذا نقيد الإجماع بإجماع المجتهدين؟ ولم هذه الشروط الصعبة؟ وهذا مؤداه هدم هذه الأصول؛ لأنها إذا هدمت يبقى القرآن، والسنة ألفاظاً عائمة لا تستفاد منها أحكام، وتقرأ للتبرك، أو في الصلاة، أما في الواقع، فلا يمكن لأحد أن يطبقها أو أن يقيمها.

قالوا أيضاً فيما ما يتعلق بأصول الحديث: أصول الحديث هذه يجب إعادة النظر فيها، وقد تجرأ بعضهم -عياذاً بالله- فصرح وقال: من القواعد التي يجب إعادة النظر فيها أن علماء الجرح والتعديل قرروا أن الصحابة كلهم عدول.

قال: وهذا ليس صحيحاً! فليس بمجرد أنه رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وآمن به يكون عدلاً! فجاء باجتهاد لم يسبق إليه وقال: نضع شروطاً لقبول رواية الصحابي، نقول منها: أن لا يروي الصحابي حديثاً فيه مصلحة له أو لمن يواليه حتى نضمن أنه لم يبتدع من عنده.

أي أنه يتهم الصحابة بالكذب على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمصالح شخصية والعياذ بالله.

ثم يأتي إلى الصحيحين ويقول: لا نسلم بأن كل ما في الصحيحين صحيح، بل لا بد أن نعرض ما فيهما على القرائن والنظر العقلي، والتاريخ، والتحليل النفسي، والتحليل الاجتماعي، ويهذون بعبارات إذا رآها الإنسان يقول: صحيح! إذن لا بد أن نعيد النظر، فيشككون الناس في قيمة السنة النبوية.

أما الفقه فهجومهم عليه عجيب: فهم يدخلون من مدخل سلفي، فيقولون أول شيء: الحجة هو الكتاب والسنة، وآراء الرجال لا حجة فيها، فنقول: ما شاء الله، كلام طيب! لكن ماذا يريدون؟ يريدون فصل كلام السلف وفصل تطبيق السلف وكلامهم وتفسيرهم وفهمهم للكتاب والسنة فصلاً كاملاً، فيأخذون هم مباشرة من القرآن والسنة؛ وأنت تأخذ مباشرة، فيقلبون الآيات كما ذكرنا، ويضربون كتاب الله بعضه ببعض، ويضربون الحديث بعضه ببعض كما يشاءون، ويصححون ويضعفون كما يشاءون، أما كلام الأئمة العلماء وفهمهم وعملهم وتطبيقهم ومؤلفاتهم فهذا كلام بشر، ويقولون: فرق بين الدين وبين فهم الدين وصورة التدين، ففهم الدين يختلف بحسب العصور، وصورة التدين تختلف بحسب العصور، أما الدين فهو النص فقط، ثم كل يفهمه كما يشاء.

وهجموا هجوماً آخر فقالوا: كتب الفقه المطولات المعقدات تستطرد وتطيل النفس في أبواب الحيض والنفاس، والصلاة، والصيام والزكاة، ولكنها لا تتعرض لأبواب الإمامة والخلافة ونظام الحكم والشورى لماذا؟ قالوا: لأنها كتبت في أيام سيطرة الحكام الاستبداديين، والعلماء كانوا يسيرون في ركاب السلطة، فهو فقه مرحلي، مؤقت، فقه كان يتكلم باسم الطبقة المسيطرة، وباسم الحكام وأولياء الأمور في تلك المرحلة.

طبعاً معروف أننا لم نجد في كتب الفقه، أو قد لا نجد على العموم ما يتعلق بالإمامة والخلافة؟ لأن باب الإمامة أرفع عندنا من أن يذكر في أبواب الفقه، فهو موجود في كتب العقيدة كما تعلمون، الإمامة من مسائل العقيدة.

ونظراً لما جرى من الخوارج وغيرهم، فهم يأتون إلى هذا الشيء.

يقولون: الفقه الإسلامي فقه عنصري! كيف هذا؟ قالوا: انظر كيف أن الفقهاء يقسمون الدور إلى دار حرب ودار إسلام، وهذه مرحلة نتيجة الحروب الصليبية التي كانت دائرة، ونتيجة أن الناس في العصور الوسطى كان النصراني يكفر المسلم، والمسلم يكفر النصراني، أما الآن فلا، العالم انفتح الآن، وصارت هناك حقوق للإنسان، ولا يصلح بعد الآن، أن نقول: فقه للمسلمين وفقه لغير المسلمين، دار إسلام ودار حرب، هذا كله كلام لا قيمة له الآن.

بعد ذلك إذا جئنا للاقتصاد يأتونك بالعجب العجاب، البنوك لا بد منها، الفوائد الربوية ضرورية، ومن الذي يقول: إن الفوائد ليست حلالاً؟! ويدافعون عنها أشد الدفاع، المؤسسات الرأسمالية تقوم كما هو الحال في الدول الغربية، وكذلك الشركات تقوم على النمط الغربي، وهذا من الإسلام ومن الديمقراطية ومن حرية المال، أو من الاشتراكية، كما في الوثيقة الاشتراكية، واليسار الإسلامي يقول: الماء والنار والكلأ مباحة للجميع، ويقاس على ذلك كل وسائل الإنتاج، ويقاس على ذلك المصانع والتأمين إلخ.

فتكون الأحكام كلها نسخة من الغرب، ولا تؤخذ من الفقه الإسلامي، ولا من كتاب الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وبالذات في هذا الجانب.