[المعاملة بين أهل السنة ومن خالفهم]
السؤال
كيف تنظر طائفة أهل السنة والجماعة للاثنين وسبعين فرقة الأخرى؟ وكيف يحكمون عليها؟ وكيف تكون علاقتهم بها؟
الجواب
الحديث واضح الدلالة، على أن الطائفة الناجية واحدة، وأما ما عداها فغير ناجٍ أو أن ماعداها يمكن أنه ينجو ومن الممكن أن لا ينجو.
وحتى لا نفهم العبارة خطأً، يقول شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله: معناه إن الحديث بيَّن الفرقة الناجية، وما عداها، فهو لم يحكم عليها بالهلاك مطلقاً؛ لأن المقصود منه بيان طريق النجاة، وأنه في الكتاب والسنة بمعنى النجاة في الدنيا من الضلال، والنجاة في الآخرة من النار، لكن لو أن أحداً انتسب إلى منهج آخر، فلا يعني ذلك أنهم لا بد أن يكونوا هالكين وأنهم لا بد أن يكونوا جميعاً من أهل النار ولا ينالون النجاة، هذا أمر آخر.
وسبب ذلك أن الناس لهم حسنات ولهم سيئات، فمن رجحت حسناته على سيئاته -كمن كان يعتقد بدعة اعتقادية- كما نعلم ممن يؤولون في الصفات أو لديهم شبهة في باب القدر أو ما أشبه ذلك، ولكن له فضل علم ودعوة وجهاد وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فعند الله تبارك وتعالى تنصب الموازين، وهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -كما ذكر: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس:٤٤]، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يظلم أحداً، وإن تك مثقال ذرة يضاعفها.
فهذا لا يضيع الله تبارك وتعالى عبادته، وما وافق فيه الحق والسنة فإنه يُثاب على سعيه واجتهاده وهكذا، لكن الناجي بإطلاق المقصود منه هو من تمسك بهذا المنهج بإطلاق، أما البقية من الفرق فالقول الصحيح والراجح أنها ليست خارجة عن أهل القبلة، فالاثنتان والسبعون فرقة هم من أهل القبلة.
فبهذا الاعتبار وهذا المفهوم فإن من خرج من أهل القبلة فإنه خارج عن الاثنتين والسبعين فرقة، بمعنى: أن الثنتين والسبعين فرقة تشمل من هو في دائرة الإسلام من أهل القبلة وتشمل غيرهم، ولكن الصحيح والمعيار والضابط هو أن الأمة التي هي أمة الصلاة وأمة القبلة هي ثلاث وسبعون فرقة، وأن من عداهم فهو خارج عنهم، كما خرجت الباطنية، فلا تعد من طوائف الأمة الاثنتين والسبعين فرقة.
وبهذا الاعتبار فإن الثنتين والسبعين فرقة يدخل فيها أهل الكبائر مادمنا قد حكمنا أنهم من أهل الصلاة، وأهل القبلة ومن المقرر في أصول أهل السنة والجماعة أن الكبيرة قد تكون اعتقادية كما هو في أهل البدع وقد تكون كبيرة عملية كما هو في أهل المعاصي والفجور، ويكون التعامل في الآخرة بناءً على هذا الأساس.
فإذا قررنا هذا الأصل، واعتبرناهم مسلمين، فإن لهم الحق الذي هو لكل مسلم، ولكنهم -أيضاً- يبغضون ويرد عليهم، وتكره وتحارب بدعهم وضلالاتهم، وتحذر الأمة منهم، ولكن لا يهدر حقهم بالكلية كمثل الكفار، ولا يعطون الولاء الكامل كمثل من كان على الكتاب والسنة، أما على الاعتبار الآخر، إذا قلنا: أن أهل البدع والضلالة خارجون عن الملة، فهؤلاء يأخذون حكم الكفار غير حكم أصحاب البدع المغلظة، كبدع الخوارج -مثلاً- وما أشبهها.
فهؤلاء جاء فيهم النص عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتالهم، وهذه قاعدة وأصل عظيم، يندرج فيه قاعدة التعامل مع أهل البدع، وأنهم يقاتلون ويهجرون، وهذا كله وارد؛ لكن لا يضيع مالهم من حق الإسلام ماداموا مسلمين، كما قال علي رضي الله عنه لهم، لما قالوا: لا حكم إلا لله، قال: [[إن لكم علينا ثلاثاً: ألاَّ نمنعكم من مساجد الله، وألاَّ نمنعكم من فيء الله، وألا نبدأكم بقتال]] وهذا كله مع كشف شبهته وبيان ضلاله وخطئه وردعه وهجره بالأسلوب الشرعي المناسب.