قال الله تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر:١٠] أي: أن غيرهم لا يأخذ ما يأخذوه من الأجر! لماذا؟ بقدر نقص الصبر فالذي يأخذ أجره كاملاً هو الذي صبر؛ لأنه ابتلي ومحص فصبر فأخذ أجر العمل كاملاً.
ولهذا إن أفضل الناس منزلة هم الأنبياء، ثم من هذه الأمة أفضلهم وهم الصحابة الذين صبروا وجاهدوا، والذين كانوا أيضاً في وقت المحنة والاضطهاد في مكة، فهم أعظم من الذين جاءوا من بعدهم، ولهذا أثنى الله عليهم:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}[التوبة:١٠٠] وأيضاً: من أنفق وجاهد وقاتل قبل الفتح أفضل ممن جاء بعده، ومن رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاهد معه خير ممن جاهد بعده وهكذا، والذين شاركوا في فتوح الشام والعراق أفضل ممن جاء بعدهم وهكذا؛ فبقدر ما تكون المسألة أكثر مشقة وأكثر استقامة للدين؛ يكون الأجر أعظم ويُوفى أصحابه الأجر الأعظم.
أما من جاء والأمور قد استقرت والدين قد أقيم - والحمد لله- فإنه بقدر ما تكون المشقة أقل والصبر أقل، يكون الأجر أقل، وهكذا فما بالكم بنا نحن الآن على أي شيء صبرنا؟ لم يحدث شيء - نسأل الله لنا ولكم العافية دائماً- لكن لابد أن يكون الابتلاء على قدر الدين الأمثل فالأمثل.
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وبالصبر في هذه الحياة الدنيا، وأن نُصبِّر أنفسنا فيما قد يصيبنا، أو ينزل بنا؛ لأننا أمرنا بمعروف أو نهينا عن منكر؛ فالحمد لله هذا خير، وربما يكون في ذلك رفع للدرجة عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
أما مراتب هذه الدنيا! فلو قيل لأحدهم كالأخ العسكري: ما رأيك في أن ننقلك أبعد منطقة في المملكة، ونعطيك أقدمية ورتبة؟ فسيقول: سوف أذهب فلا بأس.
لكن اعتبروا أن الدرجة والرتبة عند الله لمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وصبر واحتسب، ولو ناله ما ناله من أذىً في سبيل ذلك، هذه -والله- أعظم درجة لنا ولكم جميعاً، وبهذا لعلنا نقف عند هذا الكلام -سائلين من المولى القدير أن يوفقنا لما يحبه ويرضى- والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هناك بعض المشايخ الذين تركناهم في هذا الميدان يُصارعون الفساد والفتن بما أعطاهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من صبر عظيم إن شاء الله -ولا نزكي على الله أحداً- ونحن في بيوتنا لاهون وغافلون لا ندري عن كثير مما يعانون، وأشكر الله لي ولكم وجزاكم الله خيراً.