لقد بين الله عز وجل حقيقة توسل عباده المؤمنين، فأعظم عبدٍ وأعلى من وصل إلى درجة من درجات العبودية لله تبارك وتعالى وهو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلو كان لأحد أن يتوسل بأحد لكان أحق الناس بالتوسل به هو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لكن ماذا قال الله تبارك وتعالى؟ وماذا أخبر عن المؤمنين؛ لقد ذكر عنهم أنهم يقولون:{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ}[آل عمران:١٩٣]، فمن هذا المنادي إلا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فلماذا نتوسل إلى الله تبارك وتعالى به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا نتوسل إلى الله تبارك وتعالى، بهذا الإيمان الذي هو أعظم وسيلة امتثالاً لقول الله تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}[المائدة:٣٥] أي: تقربوا إلى الله تبارك وتعالى بالأعمال الصالحة والطاعات المشروعة وهكذا فسرها السلف الصالح رضوان الله تبارك وتعالى عليهم؟! إذاً ينبغي أن نعلم هذه الحقيقة، وأعظم الناس اتباعاً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم أقرب الخلق إلى الله تبارك وتعالى بعد الأنبياء وهم الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
فكيف كان توسلهم؟ إنما كانوا يعبدون الله تبارك وتعالى، وإنما توسلوا إلى الله تبارك وتعالى بأعمالهم الصالحة، اجتهاداً منهم في متابعة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي محبته التي تستلزم وتقتضي اتباعه، كما قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[آل عمران:٣١].
فمن أراد حقيقة التوسل؛ فعليه باتباع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمن اتبعه وآمن به وصدقه فيما أخبر ولم يعبد الله تبارك وتعالى إلا بما شرع؛ فإنه قد توسل إلى الله تبارك وتعالى توسلاً صحيحاً.