[توحيد العبادة وتوحيد الحاكمية]
يقول: 'فكما لا يسجد الخلق إلا لله، ولا يعبدون إلا إياه، ولا يعبدون المخلوق، فكذلك يجب ألاَّ يرضخوا ولا يخضعوا أو ينقادوا إلا لحكم الحكيم العليم، الحميد، الرؤف الرحيم'.
والقرآن صريح في هذا وواضح، ولو أن الناس يتدبرون كلام الله تبارك وتعالى كسورة الأنعام وهي التي ذكر فيها التشريعات، وذكر فيها ضرورة الحكم بما أنزل الله، وهي سورة التوحيد العظمى في القرآن، فيقول فيها: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:١٤].
ولو أن الناس تدبروا لفهموا من هذه الآية أن من الشرك أن يتخذ الإنسان ولياً من دون الله يخافه ويدعوه ويرجوه ويتقيه كما يفعل عباد الأولياء والصالحين إلخ.
وقال أيضاً في آخر السورة: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام:١٦٤] الله تعالى رب كل شيء، فكيف يكون الله تبارك وتعالى رب كل شيء {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً} [الرعد:١٥] {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:٤٤] ويأتي هذا الإنسان المخلوق الضعيف فلا يتخذه رباً، وإنما يتخذ غيره من الأرباب إما من الأصنام، وإما من الطواغيت من البشر كفرعون وأمثاله؟! وهذا -أيضاً- نوع معروف أن من فعله فإنه كافر.
وقال في نفس السورة: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً} [الأنعام:١١٤] وقال في الآية التي بعدها: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:١١٥ - ١١٦] فكما أنَّا لا نتخذ غير الله إلهاً وولياً ولا رباً ولا خالقاً ولا رازقاً، فكيف نتخذ غير الله حكماً، وهو الذي أنزل هذا الكتاب المفصل، وقد تمت كلمته صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام؟! وكيف نطيع البشر في مخالفة أمر الله وإن كثروا! {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه} [الأنعام:١١٦] قال بعد ذلك: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:١٢١].
فالقضية واحدة كما ذكر الشيخ، فاتخاذ غير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حكماً، هي مثل اتخاذ غير الله تعالى ولياً وإلهاً ورباً خالقاً رازقاً، لا يختلف هذا عن هذا.
إذاً: لماذا يستنكر المسلمون أو يستعظمون ويستبشعون أن يعبد غير الله وأن يصلى ويسجد لغير الله، ولايستبشعون أو يستفظعون أن يتحاكم إلى غير الله، وأن يتخذ غير الله تعالى حكماً، وأن يتخذ كتاب الله ظهرياً، ويؤتى بقوانين البشر المتألهين والمتسلطين، وتحكم في الدماء والأموال والأعراض والرقاب؟! هذا ما يريد الشيخ رحمه الله تعالى أن يوضحه، وقد سبق الإشارة إلى كثرة الأدلة في ذلك والحمد لله.
يقول الشيخ: 'دون حكم المخلوق الظلوم الجهول -كما قال تعالى عنه: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:٧٢]، وهكذا حال الإنسان- الذي أهلكته الشكوك، والشهوات والشبهات، واستولت على قلوبهم الغفلة والقسوة والظلمات '.
ألا ترى أن المسلم لا يجوز له أن يقلد عالماً من علماء الإسلام أو مفتياً في كل ما يقوله أو يفتي به؟ لأن هذا لا يكون إلا لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي يؤخذ عنه كل قول يقوله، أما من عداه فيؤخذ من قوله ويرد؛ فإذا كان هذا في حق علماء الأمة وإن كانوا الأئمة الأربعة، أو من هو أفضل منهم ممن تقدمهم من التابعين أو من الصحابة، فكيف في حق أصحاب التشريع والقانون الوضعي الذين لا صلة لهم بالدين ولا بالعبودية؟!! إذا كان قد يخطئ العالم المجتهد فكيف بالكافر الملحد المتصف بالظلم، والجهل، والكفر، والطغيان والشكوك، والشبهات، والشهوات، وكلها مجتمعة فيه! ولذلك تأتي أحكامهم وشرائعهم بالعجب العجاب من هذه التناقضات -نسأل الله العفو والعافية- حتى إن العاقل منهم لو تأمل لما صدق أنهم يحتكمون إلى هذه الشرائع! ولعجب منهم كيف يؤمنون بها! وما ذلك إلا لخفاء وجهل كثير من الناس بحقائق الدين وشرائعه، بسبب سيطرة الإعلام الغربي -ولو من بعيد- من قبل اليهودية والصهيونية والإلحادية والعلمانية والنصرانية، وتوجيه الإعلام توجيهاً خاصاً، فيجهل كثير من الناس حقيقة ما أنزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثم تجدهم يعجبون ويندهشون عندما يجدون أحكام الله وما فيها من العدالة والسهولة مما لم يكن يخطر لهم على بال.
وقد سمعنا برنامجاً في صوت أمريكا عن امرأة مسلمة متخصصة في الدراسات القرآنية والإسلامية في إحدى الجامعات، فتقول: إن المرأة في الإسلام ترث ويحق لها التملك إلى درجة تثير الدهشة عندنا نحن الغربيين! ثم تقول: وإن في المملكة العربية السعودية حيث تطبق أحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالميراث تملك المرأة ما يعادل (٤٠%) من الممتلكات فتعجبت!! وقالت: إن هذا شيء عجيب جداً، ولا أدري من أين أخذت الرقم؟ ونحن لا نستغرب ولا جديد فيه عندنا أن النساء يملكن الأموال العظيمة، لكن الغرب وبسبب جهلهم بدين الله أصيبوا بهذه الدهشة.
يقول الشيخ رحمه الله: ' فيجب على العقلاء أن يربأوا بأنفسهم عنه، لما فيه من الاستعباد لهم، والتحكم فيهم بالأهواء، والأغراض، والأغلاط، والأخطاء، فضلاً عن كونه كفراً بنص قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون َ} [المائدة:٤٤].
أي: فضلاً عن أن هذا كفر، فالعاقل يربأ بنفسه عن أن يكون عبداً لبشر مخلوق مثله، والله تعالى بعث الرسل في جميع الأزمان يذكرون الناس بهذا، أن كيف تعبدون بشراً أمثالكم؟! وكيف تدعون من دون الله من لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا حياةً ولا موتاً؟!