للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة عبد الرحمن القارئ]

ومثال آخر: رجل من شيوخ القراء، كان اسمه عبد الرحمن، وكان يلقب بالقس أو القسيس، أو العابد، فكان عبد الرحمن القارئ عند أهل مكة من أفضلهم عبادة، وأظهرهم تبتلاً، فمر يوماً بـ سلامة - وهي جارية كانت لرجل من قريش، فسمع غناءها، فأطل مولاها وعبد الرحمن عند الباب، فقال له: هل لك أن تدخل فتسمع، فأبى عليه، فألح عليه الرجل، فلم يزل به حتى وافق ودخل، فقال: أقعدني في موضع لا أراها ولا تراني -وذلك خشية أن يفتتن بها- قال: فدخل، فتغنت فأعجبته، فقال مولاها: هل لك أن أحولها إليك، فأبى وامتنع، فلم يزل به أيضاً حتى وافق، فجاءت فجلست أمامه، فلم يزل يسمع غناءها حتى شُغف بها وشُغفت به، وعلم ذلك أهل مكة وانتشر الخبر بأن العابد الراهب تعلق بهذه المغنية، حتى إنها ذات مرة قالت: أنا والله أحبك! فقال: وأنا والله أحبك! قالت فما يمنعك من الوصال! فوالله إن الموضع لخال، فقال: إني سمعت الله تعالى يقول: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٦٧] وأنا أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك تؤول بنا إلى عداوة يوم القيامة، قالت: يا هذا! أتحسب أن ربي وربك لا يقبلنا إذا تبنا إليه، قال: بلى، يتوب علينا لو تبنا، ولكني لا آمن أن أفاجأ بالموت، ثم نهض وعيناه تذرفان، فلم يرجع بعد.