قد عالج عليه السلام ما عالج من أمر أولئك الأمة العتية الغضبية التي كتب الله سبحانه وتعالى عليها غضبه، وضرب عليها الخزي والذل أينما حلت وسارت، أمة بني إسرائيل العتاة، غلاظ الأكباد، عبدة الدرهم والدينار، هؤلاء الذين يرون آيات الله سبحانه وتعالى عياناً ثم ينكرونها، ويجحدون ويكابرون.
يعطيهم الله سبحانه وتعالى من النعم، كما أعطاهم المن والسلوى، وكما أنجاهم من آل فرعون بعدما كانوا يفعلون بهم ما يفعلون، وقبل تبارك وتعالى توبتهم لما عبدوا العجل، ولما نتق فوقهم الجبل وتابوا رفع العذاب عنهم، وطلبوا ما هو أردأ، استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير؛ حتى بلغ بهم أنهم يقتلون الأنبياء بغير حق.
أي أمة أعتى وأشد في الكفر والجحود والعناد من هذه الأمة؟! كتاب الله بين أيديهم، حرفوه وبدلوه، وافتروا على الله تبارك وتعالى الكذب، ويكتبون الكتاب بأيدهم ويقولون هذا من عند الله وما هو من عند الله، يأكلون بهذا الكتاب ثمناً قليلاً، يأكلون السحت والربا، قالوا في مريم وعيسى بهتاناً عظيما، قالوا في محمد صلى الله عليه وسلم إفكاً مبيناً.
ماذا تعدد من ذنوبهم؟! إن الذي عالج هذا وتعب منه أشد التعب والمعاناة هو نبي الله تعالى موسى؛ فقد أخبر الله عنه فقال:{يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}[المائدة:٢١] أي: أن النصر مضمون، ادخلوا، ولكنهم ردوا عليه:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}[المائدة:٢٤] أعوذ بالله أهذا يقوله مؤمن بالله سبحانه وتعالى؟! كلما يأمرهم بأمر أو ينهاهم يبدلوه؛ حتى أنه لما قيل لهم:{ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ}[البقرة:٥٨]، قالوا: حنطة، استهزاء وسخرية، فهذه الأمة عالج منها صلوات الله وسلامه عليه ما عالج، وتعب، وبذل ما بذل، من أجل أن تهتدي للحق.
فصبره مع فرعون، ومع هذه الأمة، ويقينه بالله الذي ما فارقه، لما أمره الله تبارك وتعالى وبني إسرائيل أن يخرجوا؛ فخرجوا وأتبعهم فرعون بجنوده، فلما رأوا الماء أمامهم، قالوا: ما الحل؟ الآن العدو بجيشه وجبروته من وراء والبحر من أمام أين المفر؟ {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}[الشعراء:٦١] أمة لا يقين لها في الله: {قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشعراء:٦٢] هذا اليقين لا يأتي لكل إنسان، فكثير من القلوب تهتز وتضعف، وتتزلزل وتنهزم، وتبدأ تفكر كيف تنسحب وتستسلم وتعتذر، ولكنه قال:{كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشعراء:٦٢] ثقة بالله سبحانه وتعالى.
وغيرها من المواقف العظيمة لهذا النبي صلوات الله وسلامه عليه تذكرنا بمواقف أفضل رسل الله سبحانه وتعالى، وأكثرهم جهاداً في ذات الله محمد صلى الله عليه وسلم من بعده.