للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الانتحار نتيجة الضلال عن حكمة الوجود]

ومن الظواهر العجيبة التي أثارت اهتمام العلماء من هذا النوع؛ ظاهرة انتحار الحيتان، وقد تتعجبون لماذا تنتحر! فهي في أعماق المحيط فتخرج جماعات ضخمة من أعماق المحيط فتنتحر على الشواطئ، وترمي نفسها حتى تموت، ومعلوم أن أحرص شيءٍ عند الحيوانات المائية؛ أن تعيش في الماء، فإذا أخرجتها من الماء حاولت أن تتدحرج حتى ترجع إلى الماء؛ فكيف يقذف الحوت نفسه عامداً متعمداً على الشاطئ ليموت؟ فأخذوا يفكرون! وكان مما قيل: إن الحيتان بدأت تشعر أن وجودها لا معنى له، ولا حكمة من وجودها، ولذلك رمت نفسها، لتموت.

وكذلك فقد وجد آلاف من البشر ينتحرون، فلماذا ينتحرون؟! ففي السويد وبعض دول اسكندنافيا -وهي أكثر الدول رقياً وتقدماً كما يقولون- وضعوا مستشفيات خاصة للانتحار؛ فالذي يريد أن ينتحر عليه أن يسجل اسمه ويذكر أسباب الانتحار.

فقد يكون السبب أن العشيقة طردته، أو لأنه لم يرق في العمل -أو أي سبب كان- فيكتب هذه المعلومات، ويدخلونه في غرفة خاصة، ويقتلونه بطريقة معينة.

ويقولون: هذا القتل أفضل من أن يذهب إلى الشواطئ، فيعكر الصفو على المصطادين والسواح، أو أن ينتحر من مبنىً شاهق فيعكر على النزلاء.

وهكذا فالآلاف من البشر الأوروبيين -عموماً- يشعرون بأن حياتهم ليس لها معنى، وأن وجودهم لا حكمة من ورائه، وأنهم حيارى ضائعون لا يدرون لماذا جاءوا وإلى أين يذهبون؟ كما عبر الشاعر النصراني، شاعر المهجر إيليا أبو ماضي:

جئت لا أعرف من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت كيف جئت؟! كيف أبصرت طريقي؟! لست أدري ولماذا لست أدري لست أدري!

فهو لا يدري ولا يدري لماذا لا يدري؟ فهو يعبر عن الحياة التي عاشها بنو دينه النصارى، والتي يعيشونها إلى اليوم في أكثر أنحاء العالم؛ فلم يجدوا حكمة لهذا الوجود، فماذا كانت النتيجة؟ إن الانتحار هو ما اختاره كثير منهم! فقد كونوا جماعات كبيرة، منها الجماعة التي انتحرت قبل عشر سنوات بشكل جماعي -وكان عددهم أكثر من ثمانمائة شخص- في الأمازون، وهم من أمريكا ولما وقعت هذه الحادثة أوصى الكونجرس بدراسة هذه الظاهرة في الولايات المتحدة.

فكانت نتيجة الدراسة: أنه يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية (ألفان وخمسمائة نحلة ودين وجماعة) من هذا الشكل ممن يبلغ أتباعها المليون أو أقل من ذلك، وكلهم بهذا الشكل لا يدرون لماذا جاءوا؟ وإلى أين يذهبون؟ ولا يعرفون قيمة ولا طعم الحياة.

وقد تكونت من هذه الجماعات عصابات تذهب إلى البلاد التي تشعر بالطمأنينة في نظرهم، ويسألون عن أي البلاد أكثر انحطاطاً وتأخراً في الحياة لماذا؟ لأنهم تصوروا أن التكنولوجيا والتقدم (الطائرات، والصواريخ، والرفاهية) هي السبب في ضياعهم، أي أن الحضارة هي السبب، فقالوا: نبحث عن أحط بقاع العالم في الحضارة ثم نعيش فيها.

ولذلك يذهبون إلى نيبال -وهي دولة داخلية في شمال الهند تعيش حياة شبه بدائية- فالأمريكان في نيبال كثيرون وشبه عراة، لكنهم يقولون: المهم أننا فارقنا نيويورك وشيكاغو، فارقنا تلك المجتمعات المتحضرة حضارة متعقدة لكي نعيش في جو الطمأنينة، وفي جو إنساني حتى نموت.

فهم لا يبحثون عن شيء إلا راحةً قليلةً قبل أن يأتيهم الموت، ويحقنون أنفسهم بالمخدرات! إنها حيرة متناهية! فهم لا يدرون لماذا جاءوا؟ ولماذا خلقوا؟ وإلى أين يذهبون؟ فلا يدرون ولا يخطر على بالهم أن في إمكانهم أن يعرفوا ذلك أو يعلموه؛ لأن المجتمعات التي لفظتهم هي مجتمعات التقدم والعلم والتكنولوجيا، فما قيمة هذا العلم وهذه الحضارة المادية بغير إيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟! لم يجدوا لذلك أي قيمة، وهذا الداء قد وصل إلى بلاد المسلمين، ولو تحدثنا عنه في بلاد الغرب لطال الحديث جداً، فأنتم تقرءون في المجلات الغربية عن عدد المنتحرين، بسبب الحياة العابثة التي يعيشها الغرب.