[بشائر الفرج لأهل الابتلاء]
كلما استحكمت حلقات الضائقة، وكلما اشتدت الكروب، وكلما رأيت أن لا مخرجَ ولا حيلةَ، فاعلم أن الفرجَ قريب.
وفي الحديث الذي تقدم معنا في أحاديث الصفات، يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده وقرب غيره} إذا امحلو حطوا وأجدبوا.
وترى الناس كما قال تعالى: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} [الروم:٤٩] تراهم مبلسين يائسين، قانطين جزعين؛ فلا ماء، والدواب قد هلكت، والأرض قد يبست، والرياح تعصف بأراضيهم الغبار، ففي هذه الحالة يضحك الله تعالى لما يرى من قنوطهم وجزعهم وإبلاسهم، وقرب غيره، إنه قريب، ولكنهم لا يدرون إنما هي أيام أو أسابيع، وإذا بالغيث والنعمة المنشورة والرحمة تأتي من كل مكان! وإذا بالخضرة! وإذا بالورود والأزهار والطيور والخيرات والبركات! ثم تأتي إلى هؤلاء فتقول لهم: أتذكرون تلك الأيام، فيقولون: يا شيخ! لا تذكرنا بتلك الأيام، فقد مضت.
لا يريدون أن يتذكروا تلك الأيام، وكأن هذا هو كل شيء!! يضحك الله عز وجل من قنوط البشر مع أن رحمته قريبة تبارك وتعالى.
ولذلك قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وأن مع العسر يسراً} وهذا كما في كتاب الله: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:٥ - ٦].
ومن أعظم نعم الله عز وجل -وقد عبَّر عنها جماعة من السلف، كلٌ منهم بأسلوبه: الصبر واليسر والرضا.
من أعظم نعم الله عز وجل على الإنسان أن يذيقه حلاوة الصبر، باستشعاره أن مع العسر يسراً، فمهما نزل به من كرب، ومهما ألمت به من مصيبة، ومهما يرى أنه قد أحيط به، فإنه يعلم أن مع العسر يسراً، فيبرد ذلك قلبه، ويخفف لوعته، ويطفئ مصيبته، ويستيقن أن الله عز وجل لن يضيعه.
فالنصر مع الصبر مقترنان لا يفترقان، والفرج مع الكرب مقترنان لا يفترقان، فبإذن الله لا يقع هذا إلا مع هذا، ولو جاء النصر من غير صبر لما كان له طعم.
فلو ذهبتم لتقاتلوا عدواً، فلما أشرفتم عليه هرب، وأخذتم الغنائم ورجعتم، لما كان لذلك طعم، كما إذا قاتلتم أياماً وليالٍ مثل أيام وليالي القادسية، والتي كانت شديدة على الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ثم جاء نصر الله عز وجل؛ فالنصر بعد التعب له لذة وحلاوة.
وكذلك الفرج لا يأتي إلا بعد الكرب، فليتحمل الإنسان ذلك، وكذلك اليسر أو اليسران، فهما يسران يأتيان بعد العسر ومعه، فإذا تضرع الإنسان واستعان بالصبر، نال النصر، والفرج، واليسر بإذن الله، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:٢ - ٣] أي: كافية من كل شيء تبارك وتعالى.