الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: إن هناك قضية ثارت عند الشباب وأثيرت، وما كنت أحب أن أدلي برأيي الخاص فيها، وليس ذلك من باب التواضع، ولكنها الحقيقة؛ لأننا نريد أن يكون علماؤنا -جزاهم الله خيراً- هم الذين يفتون؛ لأنهم أهلٌ لذلك في مثل هذه الأمور.
لكن لما رأينا أن العلماء قد حصل بينهم بعض الاختلاف، ورأينا اندفاع الشباب إلى جهة واحدة والأخذ بها فقط، ولم يتفطنوا إلى غيرها من الجهات ولم يتبينوا الأمر كما ينبغي، أحببنا أن ندلي في هذه القضية برأينا، ونحن لا نعتبر أنفسنا إلا أننا إخوة نتذاكر ونتناصح، ونتعاون على ما يرضي الله.
فالكلام الذي سأقوله لا تعتبروه فتوى نهائية، بل نعتبر الموضوع موضوع مذاكرة، يقبل المناصحة والمناقشة، وإذا كنا نقول ونقول دائماً: إن العلماء الأجلاء، بل حتى الأئمة الأربعة، إذا وجدنا أحداً منهم يخالف الدليل، فإننا لا نأخذ بقوله، فما بالكم بنا نحن طلبة العلم؟! فمن حق كل إنسان إذا رأى في الكلام الذي أقوله خطأً أو التباساً أن يناقش؛ لنصل جميعاً إلى الحق، فلعل ذلك يكتب أو ينشر أو يقرأ بطريقة أفضل من الآن.
نحن نسمع عن الجهاد، ولا يوجد مسلم لا يسمع أخبار هذا الجهاد، وكل مسلم يتمنى أن ينصر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى المجاهدين في أفغانستان، وفي كل مكان، وهذا أمر لا يشك فيه أي مسلم، ونحن نعلم قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق} ونعرف أن الجهاد هو ذروة سنام الإسلام، ونعلم أن هذا الدين لن تقوم له قائمة إلا بالجهاد في سبيل الله عز وجل.
بل إننا ننكر على الذين يظنون أن الجهاد في سبيل الله هو مجرد دعوة فقط، ويستبعدون السيف استبعاداً نهائياً، ويفسرون (في سبيل الله): على أن معناه هو مجرد الخروج أو الدعوة! فإن منهج أهل السنة والجماعة واضح في هذه المسألة، كما هو معروف في أبواب العقيدة، فالمسألة ليست مجالاً للنقاش في أصلها؛ لأنها قضية اعتقاد، فإن يكن هناك مثبطون عن الجهاد، أو لا يريدون الجهاد، أو يصرفون الناس عنه، أو يؤولون آيات الجهاد وأحكام الجهاد، فهذا شيء مرفوض في منهج أهل السنة والجماعة، ولا يقره أي إنسان.
لكن هذا الأمر شيء، وقضية الغلو في مفهوم الجهاد شيء آخر، وهي أن يأتي أناس ويقولون: الدعوة إلى الله لا تقوم إلا عن طريق الجهاد فلابد أن نجاهد! أو يأتي أناس ويقولون: إن الجهاد في مكان ما فرض عين على كل مسلم ومسلمة؛ فلا يستأذن الرجل أبويه، ولا تستأذن الزوجة زوجها مهما كان، بل يترك عمله ويذهب ليجاهد في هذا المكان؛ أياً كان ذلك المكان! هذا لا يقر، وهو غير الإقرار بحكم الجهاد وفرضية الجهاد، وأنه لابد منه لهذا الدين ولقيام الدعوة.
فقد أصبحنا الآن نناقش ونعايش ونسمع فتوى أنه يجب علي وعليك وعلى كل إنسان في المجتمع أن يترك أهله وعمله ووالديه وكل شيء، ويذهب إلى مكان ما ليجاهد، لا نقول: أفغانستان وحدها؛ لأنه قد يأتي قائل ويقول: أريد مكاناً آخر، فهل هذا هو الحكم الشرعي الصحيح الذي يتوافق مع قواعد النصوص التي نص عليها أهل السنة والجماعة؟ أم أن هذا كلام فيه نظر، ويحتاج إلى دقة، ويحتاج إلى أن يبحث ويتأمل؟