[المحبة لله ورسوله تكون في الاتباع]
لا بد أن يعلم الإنسان أن المحبة في الحقيقة هي في الاتباع، ولا نقول: إن الاتباع يتجرد عن المحبة بمعناها القلبي، لأن المحبة القلبية هي من الاتباع، فما محبة الله ومحبة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا في الاتباع العام، والالتزام بسنته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أثر لازمٌ وظاهرٌ لهذه المحبة التي هي عمل قلبي، فإن كانت المحبة صادقة فإن هذا يظهر في سلوك جوارح وأعمال المحب.
وذلك بأن يحب العبد كل ما أحبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويبغض كل ما أبغضه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويتأسى به في كل عمل، وفي كل ما ثبت عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وتقديم محبة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على غيره يثمر للعبد ثمرةً عظيمة ونعمة كبرى، لا تعادلها كنوز الدنيا جميعاً ولا ملذاتها، ألا وهي حلاوة الإيمان، جاء في الحديث {ثلاث من كن فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان} فالإيمان شيء وحلاوته شيء آخر، فكونك تجد حلاوة الإيمان وتعلم نعيمها، فإنه يهون أمامك كل شيء، وتشعر بأن هذه هي جنة الدنيا، كما قال شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله: 'إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة' فبقدر تنعمك بحلاوة الإيمان في قلبك يكون تنعمك بالجنة بإذن الله.
أما الذين أغلقت قلوبهم وحجبت، وطمست بالكفر والشهوات والشبهات في الدنيا عن ذكر الله ومحبته فهؤلاء هم أهل النار والعياذ بالله، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حلاوة الإيمان: {أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما} فلا يقدم عليهما في المحبة أي شيء، وإن حدث تعارض بين مقتضى محبة الله مع مقتضى محبة الأهل أو النفس أو الزوجة أو غير ذلك من الأحباب والأخلاء والأصدقاء، فإنه يجب أن يقدم مقتضى محبة الله تبارك وتعالى على ذلك، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله} وهذا فرع عن الأول، لأن الناس لا بد لهم من علاقات فيما بينهم، على أن تكون هذه العلاقات بين الخلق مبنية على المحبة في الله، وهذا ما دلت عليه الآية {يحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:٥٤].
فكل الآيات والأحاديث في مدلولاتها وتطبيقاتها في منهج أهل السنة والجماعة تترابط دائماً وتدل على معنى وحقيقة واحدة.
فمن ذاق طعم الإيمان، وذاق حلاوته، وأحب الله ورسوله، وقدم محبتهما على كل شيء، وأحب المرء أخاه ولم يحبه إلا لله خالصاً لوجهه الكريم، فإنه لا بد أن تثمر عنده: {وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار} فهذه هي الحالة الثالثة، وكما قد جرى لأصحاب الأخدود، وعذب أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكما يفتن المؤمنون في كل زمان ومكان، ولا يرجعون عن دينهم أبداً، لأنهم ذاقوا حلاوة الإيمان.
ولهذا يجعل الله تبارك وتعالى من الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: {رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه} لأن محبتهما تجردت عن أن تكون لهوى أو لشهوة أو لغرض مما يجتمع عليه الناس، وهذه هي المحبة التي تدوم عند الله تبارك وتعالى.
أما ما عداها: فكل نسب، وكل علاقة، وكل صلة، وكل محبة يوم القيامة ليست لله عز وجل فهي مقطوعة، ويتبرأ بعضهم من بعض، ويلعن بعضهم بعضاً، ويعادي بعضهم بعضاًَ على مودتهم في الحياة الدنيا {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٦٧] فالمتقون أحباء في الدنيا وأحباء في الآخرة.
ولهذا كما في حديث أنس في الصحيح أنه قال: لم يكن عند الصحابة أرجى من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {المرء مع من أحب} قالوا: هذا أرجى ما سمعنا، فنحن نحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونحب أبي بكر وعمر، ونرجوا أن نكون معهم.
فمعنى كلامهم: إن لم نلحق بهم بأعمالنا فإننا نرجو أن نلحق بهم بمحبتنا لهم.