فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إن أكثر ما نعاني منه في حياتنا: عدم القدرة على تنظيم الوقت والمحافظة عليه، فنرجو منكم توجيهنا في هذا الموضوع؟
الجواب
نعم! مشكلة الوقت هي المشكلة الحقيقية التي يعاني منها كثير من الشباب؛ لأن الواجبات تتعدد، والهموم تتوزع، والوقت محدود، ولذلك ينبغي أن نأخذ العبرة والعظة من النظر إلى أوقات العبادات مما فرض الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى علينا؛ فهذه الصلوات الخمس هي من العبادات التي تقربنا إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ومن الذكر له، ولكن مما فيها من فوائد ثانوية أنها تعرفك قيمة العمر وقيمة الوقت، يجلس الشخص فترة بعد صلاة العصر، وإذا بالمغرب يؤذن، فيصلي المغرب ثم ما هي إلا لحظات وإذا بالعشاء يؤذن وهكذا، فتحس بأن الوقت قد مضى، وأن هذا وقت له واجب محدد، وأن الوقت الآخر له واجب آخر، فلا تحيل واجب وقتٍ إلى غيره، هذا مما يستشعره المسلم، ولهذا كان المسلمون أكثر الناس محافظة على أوقاتهم.
والوقت ليس فيه توقف، كما قال ابن القيم رحمه الله: عند قول الله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ}[المدثر:٣٧]، قال رحمه الله: 'ليس في الشريعة ولا في الطبيعة توقف البتة' فليس هناك توقف، إما أن تتقدم وإما أن تتأخر، فمجرد التوقف هو تأخر، لو قلت: أنا أكتفي في هذا اليوم بما عندي من العلم، فمعنى ذلك أنك تأخرت؛ لأن الوقت يمضي، وهذه الأيام مراحل تطوي الإنسان، وما من يوم يمر إلا ويزيدك من الدنيا بُعْداً ومن الآخرة قُرْباً، وكما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}[الإسراء:٣٦] وكما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع -ومنها- عن عمره: فيمَ أفناه؟ وعن شبابه: فيمَ أبلاه؟}، وضرورة المحافظة على الوقت مهمة، ومن ذلك أن تحفظ وقتك فتشغله في الأهم عن المهم.
أقول هذا، لأن الشباب -إن شاء الله- لن يشغلوا أوقاتهم في غير مهم، لكن قد يشغلونه في مهم ويتركون الأهم منه، ولهذا قال بعض السلف في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه}، قال: هذه فيها نصف العلم، أي: لو عرفت ما لا يعنيك وتركته فإن فيه نصف العلم والوقت، وقال بعضهم: من علامة إعراض الله عز وجل عن العبد: أن يشغله بما لا يعنيه.
وما لا يعنيك قد يكون لا يعنيك مطلقاً، وقد يكون لا يعنيك في هذه الساعة، وقد يكون لا يعنيك وغيره حاضر، لأن غيره أهم منه، فهو لا يعنيك الآن، فلو عرفنا ذلك لضبطنا أوقاتنا -إن شاء الله- فلهذا نبدأ بالأساسيات من العلم، ونبدأ بالضروريات من الدعوة، ثم نترك ما بعد ذلك لما يفضل.