ما رأيكم فيمن يقول: سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
الجواب
الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صح عنه في حديث الشفاعة أنه قال:{أنا سيد ولد آدم يوم القيامة} ولا شك عندنا في أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو سيد ولد آدم كما أخبر، وسيد الأولين والآخرين، وهو سيدنا نعم.
لكن الخلاف بيننا وبين أهل البدع ليس في أننا لا نقول: سيدنا، وهم يقولون: سيدنا، لا الخلاف بين أهل السنة والجماعة وبين أهل الضلالة والشرك أن أهل السنة والجماعة يقولون: عبد الله ورسوله، ويثبتون له السيادة دون أن يدخلوها في الصلاة أو في الأذان ولكنها ثابتة له، وأما أولئك فإنهم يؤلهونه.
فحقيقة الخلاف هي في: هل هو إله أم بشر؟ لا بكونه سيداً أو غير سيد، يريدوننا أن نقول إنه إله، لكن لا والله لا نقول: ذلك، وإن غضبوا مهما غضبوا، وإن اتهمونا بأننا نكرهه -والعياذ بالله-، لا والله لا نقول بأنه إله، وإنما أمرنا أن نعبد الله وحده فقط، وأمرنا كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له} هو بُعث لذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا الذي دعا إليه ونحن ندعو إليه مع قوله:{وكتب الذل والصغار على من خالف أمري} فنحن نؤمن بذلك ونقول: كل من خالف أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو اتنقص قدره فهو الأذل، وهو الصاغر وهو الأبتر:{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}[الكوثر:٣] وكل من أبغض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نصيب له في الإسلام أبداً، ولكن لا نقول إنه إله، حاشا والله.
فهذه الكلمة نقولها ونستخدمها، ولكن هل نقول في صلاتنا ونحن في التشهد: اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، لا نقول ذلك، فإن قيل: لماذا تكرهون الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، -عياذاً بالله-؟ فنقول: إن هذا لم يرد، وما علّم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه الصلاة عليه بهذه اللفظة، بل كان يعلمهم ذلك كما يعلمهم السورة من القرآن، فهل علمهم فيها (سيدنا)؟ لا، لم يعلمهم، إذاً فلا نقولها، فإذا كنت أنا أتكلم وأخطب في مكان وقلت: وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، أو مثلاً: هذا ما قاله سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهذا لا شيء فيه، فهذا الكلام خارج مواضع القيد والمواضع التي يجب علينا أن نتعبد فيها.
ثم نعود للقضية من جانب آخر، وإن كانت قد لا تستحق، لكن لأنها تدلكم على أصل الموضوع بين أهل السنة وبين أهل البدعة، وهي وصفه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسيادة، فهل فيه توقير وتعزير له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورفع لشأنه أكثر من وصفه بالعبودية والرسالة؟ انظروا إلى حال العرب في الجاهلية، كيف كانت منزلة أبي جهل في قريش؟ تقول: كان سيد قريش، وكيف كانت منزلة فرعون في قومه؟ كان سيد قومه، وهتلر سيد النازية، وفلان سيد الشيوعية، فكلمة سيد بذاتها لا تقتضي مدحاً ولا ذماً، ولهذا نقول -مثلاً- إن سعد بن معاذ كان سيد قومه، وهو من أفضلهم ومن أبرهم ومن أتقاهم، ونقول: عيينة بن حصن سيد غطفان كان سيد قومه وهو شرهم قبل أن يسلم، فالمسألة أن السيادة في ذاتها لا تقتضي مزيد اختصاص ومدح، ولهذا الذين يقولون هذه اللفظة ويجادلون فيها يقولون: سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسيدنا أبو بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان، وسيدنا علي، وهذا لفظ يشترك معه فيه الصحابة وغيرهم، كما يقولون أيضاً سيدنا الشافعي، وسيدنا أبو حنيفة، فهم الآن جاءوا بألفاظ يشترك فيها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيره معه، ونحن إذا قلنا: عبده ورسوله، جئنا بوصف لا يشاركه فيه أحد، إذاً أي الطائفتين أحق بمدحه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبتوقيره وبإنزاله منزلته؟ بلا شك أن الجواب واضح.