وهكذا في بقية الأعمال، في الجهاد في سبيل الله عز وجل، فلو أن أحداً لم يخرج للجهاد ولكنه كان صادقاً مخلصاً يريد ذلك ثم لم يخرج، فهذا له أجر عظيم عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بنيته وإخلاصه لله عز وجل، فكما ذكر الله تبارك وتعالى أيضاً في الهجرة:{وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[النساء:١٠٠] أي: بنيته وإخلاصه وإن لم يتحقق له العمل، وكما في الجهاد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قصة الذين تخلفوا معذورين، ممن عذرهم الله تبارك وتعالى في يوم تبوك عن جيش العسرة فإنهم كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{ما قطعتم وادياً ولا أنفقتم نفقة إلا وهم معكم حبسهم العذر} معنى ذلك: أن لهم من الأجر بإذن الله الشيء الكثير بنيتهم وبإخلاصهم: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ}[التوبة:٩٢].
فهم عندما أخلصوا وصدقوا لله تبارك وتعالى، وأخذوا يبكون حزناً؛ لأنهم لا يجدون من النفقة ما يحملهم، ولم يجد لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يحملهم عليه، كان لهم هذا الأجر، ورفع الله تبارك وتعالى الحرج عنهم، وجعلهم بدرجة من خرج ومن حمل السيف ومن ركب بذلك الحر الشديد، وتحمل تلك المشاقة العظيمة، وبعد الشقة، ونازل القوم ثم كان ما كان من أجر له عند الله عز وجل، وأمثال ذلك كثير.